تعتبر غرامات المخالفات المرورية عقوبة مالية على المخالف فضلا عن مردودها الاقتصادي للدولة، ووفقا لذلك فإنه ينبغي أن تتحقق فيها العدالة، وأن تطبق فيها المعايير القضائية في التظلم والاعتراض؛ حتى لا تنقلب إلى ظلم وجباية تمس أموال الناس بدون وجه حق، وفي هذا المقال سنطرح رؤية مقترحة بهذا الشأن ننشد من خلالها الارتقاء للأفضل والأعدل. من المعلوم أن المخالفات المرورية عندما تقع وترصدها الأجهزة تقوم بإرسالها إلى المخالف، لكن السؤال هنا هو: هل كل المخالفات المرصودة تعتبر صحيحة أم أن بعضها يكون غير صحيح نتيجة التباس في الرصد أو خطأ في التطبيق أو تجاوز تعسفي من رجل المرور ونحو ذلك، وهذا وارد ومحتمل، ولتوضيح المقصود سأعرض هذا المثال: من المعلوم أن كاميرات الرصد المرورية ترصد كل من يتجاوز الخط أثناء الوقوف عند الإشارة، ولكن بعض الشوارع- نظرا لإهمال صيانتها- تلاشى منها ذلك الطلاء الذي يُحدد خطوط المشاة الممنوع تجاوز السيارة لها، ولا يخفى على عاقل أن المخالفة تسقط في هذه الحالة، لثبوت القصور من جهة إدارة المرور، حيث لم تبين تلك الخطوط التي يُعاقب متجاوزها ويحصل على مخالفة مرورية. ويقاس على مثالنا السابق: لزوم وضع إشارات وعلامات تحذيرية قبل أماكن الكاميرات كما هو متعارف عليه عالميا. ونأتي للإشكال هنا وهو: إذا سُجلت مخالفة وفق المعطيات السابقة على أحدٍ ما، وأراد صاحبها أن يتظلم، فهل الآلية الموجودة الآن في التظلم سهلة المنال؟ أم يوجد عُسر ومشقة في التظلم يستدعي منه الذهاب والإياب بنفسه لعدة مرات إلى إدارة المرور مما يستزف الجهد والوقت. في واقع الأمر أعرف أناسا حصلوا على مخالفات مرورية (غالبا قيمتها 300 ريال) من قبيل الخطأ، ولا يتظلم الواحد منهم شُحا على وقته الثمين، حيث يقول: لست مستعدا لذهاب وإياب يستغرق وقته بالسيارة ما لا يقل عن ساعة لمشوار الطريق فقط، ثم يكون البحث عن هذا أو ذاك مع الانتظار الذي قد يطول؛ لأن هناك مراجعين قبلك..ثم يكمل حديثه.. وقد تأتي ومزاج من تراجعه ليس على ما يُرام -هذا إن وجدته- وقد يقال لك ارجع إلينا غدا لكون الموظف المختص مستأذن أو النظام عطلان، وهكذا دواليك، ناهيك إن كنت موظفا يُحسب عليك خروجك واستئذانك، فلذلك اضطر لترك هذا الحق الضائع وأتغاضى عن المطالبة به حفظا لجهدي ووقتي الذي هو أغلى كثيرا من بضع مئات من الريالات. ووفق ما سبق سرده على لسان صاحبنا نلحظ أن الخطأ الحقيقي يكمن في صعوبة الشكوى ومتابعتها، فمسألة توجيهك للذهاب بنفسك إلى هيئة الفصل في المنازعات المرورية ومراجعتها عدة مرات على مدى عشرات الأيام لأجل قيمة مخالفة بثلاثمائة ريال أمر شاق مرهق، لاسيما وأنها تتمركز في المدن الرئيسية فقط مما يعني أن أصحاب المدن الأخرى التي تبعد عشرات الكيلومترات سيتجاوز الأمر عندهم المشقة والإرهاق إلى الظلم والعقاب، وانظر كمثال إلى جواب المرور للمشتكين في موقعهم التويتري ((عزيزنا في حال وجود اعتراض على المخالفة بإمكانك مراجعة الهيئة المرورية بإدارة مرور المنطقة. شاكرين تواصلك)) وللتوضيح أكثر هذا مثال لمشتك على موقع المرور التويتري يقول ((هذه مخالفة على تريلة متعطلة وواقفة في حوش في أبها وأتفاجأ بمخالفة عليها في المويه كيف وصلتم إلى... ثم ذكر رقم مخالفته مع دعاء على المخطئ بحقه)) وكان الجواب عليه فيه مزيد ألم ومشقة وإرهاق وهو ((مرحبا بك، تفضل بمراجعة الهيئة المرورية بإدارة مرور المنطقة لمعرفة تفاصيل المخالفة والاعتراض عليها. شكرا لتواصلك)) ونلاحظ هنا إدارة المنطقة وليس مدينته التي قد تبعد كثيرا عن المدينة الرئيسية. لذا، نجد أن الحل الحقيقي -والذي أقترحه- لهذه المشكلة هو أن يتم توظيف من يُسمون بالمحكمين المروريين أو محكمي المخالفات المرورية، وهؤلاء يتم اختيارهم من خريجي كليات القانون والشريعة، وهم شريحة كبيرة وكثيرة لا يُستهان بها، وهذا سوق عمل وافر لهم، لذا تكون آلية توظيفهم كالتالي: يتم إجراء عدة مقابلات متتالية لاختيار الأكفأ حسب الشروط الموضوعة لذلك، ثم عقد دورات تدريبية ومهنية مكثفة لهم واطلاعهم على أحدث الوسائل والتقنيات المتبعة في العالم، ثم تقسيمهم إلى مجموعات عمل متناوبة بعد تمكينهم من الوظيفة، أو يتم تحديد أوقات لكل منهم بحيث يتواجدون على أجهزة الاتصال خلال اليوم؛ كي يتلقوا الاتصالات ويأخذوا المعلومات هم ومن يساعدهم حسب متطلبات الوظيفة. ثم يقوم هؤلاء باستقبال اتصالات ورسائل المتظلمين، ويأخذون من المتصل ما يريدون من المعلومات ورقم المخالفة ثم يشرح لهم ما حدث بالضبط، وهم يقومون بمتابعة الأمر عن كثب وتقصي حقيقة هذا الأمر مثل القاضي، حيث ينظر ويبحث عن التصوير المرئي الذي يوضح المخالفة وينظر صحتها من عدمها. ولك أن تتخيل كم من الوقت والتعب والإرهاق الذي سيوفره هذا المحكم المروري على الناس، حيث ليس على المتظلم إلا أن يتصل فقط ويبلغ هذا المحكم المروري الذي يعلم أنه مؤهل وأنه رجل قانون، وبعد ذلك يعود إليه هذا المحكم ويخبره بالأمر وآخر تطوراته أو يرسل له رسالة بنتيجة تظلمه وينتهي كل شيء. وقد يقول قائل: إذن، فجميع المخالفين سيتصلون ويستنزفون جهد المحكمين ووقتهم من باب تجربة الحظ أو الفلسفة العقلية غير السوية، فالجواب هو أن لكل مشكلة حلا مهما، فيستطيع نظام المرور أن يضع غرامة مالية في حال ثبوت صحة المخالفة بمقدار خمسين ريالا أو عشرة بالمائة من قيمة المخالفة، يقوم المحكم المروري المستقبل للمكالمة بتوضيحها للمتصل المتظلم وأنها ستفرض عليه متى ثبتت صحة المخالفة، ولا تُعد هذه الغرامة تخويفا للمتظلم ولكنها في حقيقة الأمر ستضبط المسألة وتجعل المتظلم من المخالفة لا يتصل إلا عن ثقة تامة من صحة موقفه. وفي المقابل، يجب أن يكون هناك تعويض مناسب للمتظلم إذا ثبت صحة ادعائه (نسبة عشرة بالمائة من المخالفة) يُوضع في رصيده لدى وزارة الداخلية. خلاصة الأمر هو أن نسير في تحقيق أعلى معايير العدالة وإنصاف المتظلمين وذلك من خلال تيسير أمر التظلم والشكوى على الناس حتى يستطيع كل فرد أخذ حقه دون تعسير أو تعقيد. ولا مانع - مع تطور التقنيات التصويرية والمعلوماتية- مستقبلا من إرسال التصوير المرئي المتحرك الذي يثبت صحة المخالفة من عدمها إلى إيميل أو جوال المتظلم، حتى يتحقق من صدق وشفافية إجراء التقصي والتحقيق، مع استحداث أمورٍ أخرى- قانونية وتقنية- تستطيع أن تطور الأمر وتنميه للأفضل والأحسن.