أصبحنا نرى كثيرا من الظواهر، التي لم تكن موجودة من قبل، ونفاجأ بتغيرات سلوكية تخص بعض الحيوانات أو الطيور، وفلسفات كنا نظنها غير ممكنة، لما كان يُضخ لنا من معلومات مؤكدة عن تلك الكائنات بأنها كذا وكذا، وبطريقة فيها من اليقين ما يجعل المرء غير مصدق أن تتضح الآن تلك التأكيدات وكأنها فذلكات شعراء، أو أنها بسبب ظروف خاصة في بيئتنا. بعض تلك الظواهر يخص العلاقة بين بعض الحيوانات المعروفة في بيئتنا، وغالبا من الأليفة منها، وبعضها يختص بقدرات لم نكن نظنها موجودة لدى مثل هذه الكائنات، سواء في الذكاء، أو اللطف والوفاء، أو في المهارات التي تؤديها بإتقان لم يكن معهودا لدينا عنها. أشهر هذه المفاجآت، التي قلبت ما تعارفنا عليه في تراثنا، من أن القط والفأر لا يتواءمان، وأن العداء مستحكم بينهما، وأن الهلع يصيب قلب الفأر عندما يرى القط، وأن القط بالمقابل يفرح برؤية الفأر ومطاردته عندما يراه، وربما كان من أشهى فرائسه. لذلك امتلأت الأمثال لدينا بهذه الفكرة، للتعبير عن عداء بين شخصين، أو عدم تواؤم بين شيئين. وفي المقابل نرى الآن في كثير من المواقف المصورة قططا وفئرانا تسير جنبا إلى جنب، ولا يخاف القط من الفأر، كما لا يعتدي القط على الفأر. بل ربما شاهد بعضنا مشهد الفأر الذي يتحرش بالقط، والقط يستنكف من الدخول معه في المناوشة، بينما ذلك الكائن الصغير، الذي صوره تراثنا هلعا من مجرد سماع صوت القط أو رؤيته، يطارد الكبير ويقلق راحته. والشيء نفسه رأيناه بين دجاجة وكلب، حيث تقفز عليه، وتنقره في أماكن تؤذيه، وهو يحاول اتقاء شرها، ويعمد إلى الهدوء، لكنها تعاود مهاجمته وإيذاءه، إلى أن يصل به الأمر أن يهرب من المكان ابتعادا عما تلحقه به من أذى. كما رأينا صداقات كبيرة بين قطط وكلاب، إما أنها تعيش في منزل واحد، أو أنها تتقاسم المكان في الشارع. وكانت المفاجأة، أن بعضها لا يعيش في وئام مع الآخر فحسب، بل أيضا يخدمه، ويقاسمه بعض طعامه. وجميعنا يعرف ما تعلمناه في تراثنا العريق من العداء المستحكم بينهما. أما بشأن الذكاء، فأظن كثيرا ممن يشاهد مثل تلك المقاطع يندهش من قدرات بعض الحيوانات والطيور، التي تنتشر بعض الفيديوهات أو البرامج التلفزيونية عنها، أو حتى يشاهدها بعضنا رؤية العين، مما تؤديه من أفعال أو من ردود فعل فائقة الذكاء. ونحن نعلم صغارنا، بأنها من نوع «ما لا يعقل». فهل ارتبط لدينا العقل بالتكليف الديني، أم بالقدرات الذهنية على التفكير والتصرف؟ وكذلك الأمر في اللطف والوفاء، فأحيانا يتمنى المرء أن يكون البشر مثل بعض هذه الكائنات في لطفها مع من يحسن إليها، ووفائها الكبير لمن يعتني بها. فربما شاهد بعضنا تلك القطة، التي أخذت تنبش قبر صاحبها بعد أن دفن، وترفض أن تغادره، والأمثلة على هذه الحالات كثيرة. وفيما يخص المهارات، التي تتطلب قدرات كبيرة، فمنها بعض الدلافين والكلاب التي تؤدي عروضا مذهلة بمصاحبة الموسيقى، وفق تدريبات أظنها شاقة على بعض البشر. فهل تلك الظواهر لم تكن موجودة في العقود الماضية، أم لم تكن موجودة لدينا فقط، أم كانت موجودة، لكننا لم نكن نعرفها؟.