كلنا نحب الحب، أليس كذلك؟ نحب أن نقرأ عنه قصيدة أو قصة، وكلنا نحب أن نشاهده في فيلم أو صورة تعبيرية، نبكي على فراق الأحبة الذين نتابع حكاياتهم على الورق أو على الشاشات ونضحك معهم عندما نراهم سعداء. كل ذلك الكم الهائل من الحب المراق على صفحات الدواوين الشعرية والمؤلفات الروائية والأغاني التي تتردد أصداؤها في بيوتنا ومقاهينا وقاعات احتفالاتنا والكلمات الجميلة المثالية حينا والمترعة بالحزن أحيانا التي تكتب عنه في كل مواقع التواصل الاجتماعي.. كل ذلك يجعلنا نتساءل أين هذا الحب وحب الحب على أرض الواقع؟ لماذا لا يظهر في كل مكان؟ لماذا لا يغلف كل الأشياء التي نتعامل معها والأحداث التي نتفاعل معها؟. ربما لأن كثيرًا من الناس يوصدون الأبواب المؤدية إليه ويكتفون بالقليل المتعارف عليه منه كحب الأهل، الأمهات، والآباء، والإخوة والأخوات، وقليل من الأصدقاء والمعارف والحبيب والحبيبة وهما اللذان تسببا في تحريك مشاعر الناس جميعا من خلال القصة والقصيدة بغض النظر عمن يعيش هذا النوع من الحب في الواقع أو الخيال. من خلال تجربتي في الكتابة عن قصص العشاق المغناة أو أي عبارات عاطفية أدونها في مواقع التواصل الاجتماعي وما يكتبه غيري أيضا ظهر لي أن كثيرًا من الناس بل الأغلب منهم يتأثر جدا بتلك الكلمات ويتفاعل معها وكأن الكلمات العذبة التي تعبر عن المشاعر العاطفية لها فعل ساحر يبرز رقتهم ويفيض بمعدن الحب المتأصل في النفوس ولكن لو رحت تبحث عنه في جوانب الحياة الأخرى لما وجدت منه إلا القليل جدا. حتى أولئك الذين يمررون رسائل الواتساب التي تحمل شيئا من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضي الله عنهم أو الفلاسفة والمفكرين المؤثرين لا يتوقفون ليسألوا أنفسهم ما مصدر تلك الأخلاق الراقية العظيمة التي ينادون بها عبر الرسائل ويتواصون بالعمل بها وكأنها أعمال شاقة على الإنسان أن يتدرب عليها حتى يتقنها لأنها صعبة! ولم يفطنوا أن تلك الأخلاق لم تظهر إلا من نبع الحب الذي لا يتوقف في تلك النفوس. كان رسول الله يوصف بأن (خلقه القرآن) والقرآن يقول: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) وهذا الجزء من الآية جاء في معرض الكلام عن الارتداد عن الدين وصفات المؤمنين وهذا يؤكد أن الحب هو أساس الصلة بين العبد وربه وبين الله وعباده ومن هذا الأساس تصدر كل الأفعال التي يفترض أن تكون متناسبة ومتناغمة مع الأساس حتى الغضب وهو أسوأ الصفات لكنه قابل للحب فإما أن تغضب لأجل الحب أو تطفئ غضبك بالحب.. ولكن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان لأن الغضب الأعمى لا يبصر الحب، والمؤسف أن كثيرًا من ردود أفعال البشر لا تبصره أيضا فقد ترى شخصًا رقيق المشاعر ذا أخلاق رفيعة ولكنه يتعامل مع الآخرين بقسوة غريبة إما باللفظ أو بالفعل ويبقى السؤال معلقًا.. لماذا نحب الحب ولا نعمل به؟ ولماذا نظهر ما هو ضده تماما ونحن نعرف أن سيد الأخلاق يقول (حرمت النار على كل هين لين) ونعرف جيدا أن الهون واللين هما من نواتج الحب ولكن أين هما؟ إن الإجابة عن كل تلك الأسئلة قد تكون مهمة شاقة وطويلة حين نبحث عن أسباب بعدنا عن الحب فلكل فرد منا أسبابه الخاصة، ونشترك جميعا في أسباب عامة خاضعة للظروف البيئية بكل فروعها ولكن من أهم الأسباب سواء خاصة أو عامة هو الشعور بالنقص الذي يحاول الناس أن يعالجوه بما يتوهمون أنه الوسيلة المثلى لإظهار عكس شعورهم، ومن هنا تتعارك الفطرة مع السلوك وفي الغالب ينتصر السلوك ويبتعد المرء عن فطرة الحب التي أودعها الله فينا فيصدر عنهم العنف اللفظي والجسدي. تأملوا وتفكروا (يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه).