ُُيدخل البعض مشاعرهم في دوامة سلبية تظل تدور بهم وتستنزف طاقتهم بلا نهاية، وتجعلهم يتجاهلون كل الفرص والنعم المحيطة بهم. فهناك مثلا ذلك الأربعيني الذي ما زال منذ عشرين عاما داخل دوامة لوم والديه على إهمال تعليمه، مانحا نفسه عذر التخلي عن أي مواجهة أو مهمة، فلا يمكنه مثلا أن يبدأ مشروعا لأن والديه لم يكسباه مهارة الثقة بالنفس، ويستمر دورانه في الدوامة لتستمر الخسائر الفادحة في سرقة عمره وضياع الفرص، أو تلك التي تلوم زوجها الأول على إساءة معاملتها، ورغم طلاقها منه منذ سنوات، فما زالت تستثمر ذلك الحدث كمشجب تعلق عليه كل مبرراتها للتسويف والتأجيل والانسحاب من أي مبادرة نمو. وجه الشبه بين تلك الحالة الشعورية والدوامة هو أنها كلما تعمقت فيها أكثر صار الهروب منها أصعب، ويصبح الشخص المسيء إليك بمثابة هاجس يستحوذ على تفكيرك، ويسكن عقلك ولا يمكنك إخراجه منه، فتظل في حوارك الذهني حبيس خيالات توبيخه أو معاتبته أو تخطط للانتقام منه، ويتحول لسجان لك يسجنك في دوامة لولبية من أفكارك المتشنجة المتكررة. ولكن ما الذي يصعب الخروج من الدوامة؟ إنه ذلك الافتراض الطفولي السائد بين البشر بأن العالم سيعاملنا بطريقة عادلة، وما دمت تصر على ذلك التوقع فسوف تطالب عندما يخطئ أحد الأشخاص بحقك بإعادة التوازن فورا لموازين العدل، وسترفض التزحزح عن موقفك حتى يحدث ما توقعته، وهذا هو السبب في احتواء الدوامة بشكل دائم على هواجس التعويض والانتقام. إن وسيلتك الوحيدة للتحرر من الدوران في تلك الدوامة هي توليد نوع من الاستجابة الودودة والشجاعة والايجابية المستقلة عن ردود فعل الأنا الضيقة التي أدخلتك الدوامة بطفوليتها، ولن يكون سبيلها الأمثل إلا في ذلك الدفع النوراني في قوله تعالى «ادفع بالتي هي أحسن»، والذي سيمنحك شعورا بالتدفق ذا قوة روحية يشرق كضوء الشمس على كل شيء وكل شخص، ويجعلك تسمو فوق مشاعرك الضعيفة المجروحة، فلا يبقى بداخلك اي حاجة لإصلاح أو علاج من قبل الشخص المسيء، لأن هذا التدفق النوراني هو بحد ذاته مكافأة ربانية ذات قيمة حقيقية يحررك ويسمح لك بالمضي ساميا بلا آلام.