منذ الصغر كانت ملامح الفتى الفذ تظهر على محيا الطفل «مالك بن نبي» حيث بدأ يميل إلى حب القراءة فقرأ في شتى الفنوان والآداب والمجالات المختلفة. أدى كل هذا لتميزه بين أقرانه بعد أن لازمته فكرة التغيير والبُعد عن التبعية العمياء للاستعمار الفرنسي للجزائر بتلك الحقبة، وبدت واضحة عليه هواجس وأفكار النهضة والحضارة والتساؤل عن عوائق كل تلك الأمور. كل تلك الأمور كان لها الإسهام المباشر في الإنتاج الفكري لمالك بن نبي حينما كبر وازدادت حصيلته المعرفية، وكان كتاب «شروط النهضة.. مشكلات الحضارة» أحد أبرز كتبه التي تحدث فيها عن الحاضر والتاريخ والمستقبل لخص لنا عبر هذا الكتاب الشروط الخالدة لقيام أي حضارة وعناصرها ومكوناتها ومبادئها الأخلاقية، ويحدثنا أيضا عبر هذا الكتاب حول الاستعمار والشعوب المستعمرة القابلة للاستعمار. في هذا الكتاب ستتضح الروح الفكرية الإسلامية التنويرية الواضحة لمالك بن نبي، حيث يحاول عبر طرحه عددا واسعا من الأفكار أن يؤسس لأرضيةٍ مشتركة في الفكر الإسلامي تنطلق منها مشاريع بناء المجتمعات على الأسس الصحيحة والتي تجعلها تخرج من ثوب التبعية والتخلف الحضاري. بعد أن سبر التاريخ الإسلامي والمجتمعات الإسلامية وتأمل مشكلاتها وأسباب نكوصها بدأ بن نبي في نسج أفكاره على تجاوز كل تلك الإشكالات بما لا يُخل بالثوابت الأساسية في قيم الإسلام. يذهب بن نبي الى فكرة أن الحضارة ليست في جلب القوالب الجاهزة من الخارج، سواء أكانت هذه القوالب عمرانية كالشوارع والمباني الشاهقة، أم كانت ثقافية كالمتاحف ودور العرض الفنية والغنائية وغيرها، بل يؤكد بن نبي ان الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس العكس، فالواجب كي ننشئ حضارة– كما يقول الكاتب– أن يكون هنالك تفاعل بين ثلاثة عناصر هي الإنسان والمادة «التراب» والوقت، فهذه المكونات الثلاثة هي التي تنتج لنا الحضارة الصلدة ذات الأساس المتين والبناء القويم الصامد. فبناء الإنسان يأتي في مقدمة قناعات المؤلف حول مسألة التأسيس في بناء الحضارة، وهذا الإنسان المعني لا قيمة له إذا لم يؤسس قيميا وعقائديا بالشكل الذي يؤهله لاكتساب المعرفة الدنيوية اللازمة في وقتٍ لاحق. والحضارة أيضا كما يراها تبدأ من الداخل.. من داخل الانسان، لا في ماديات الحضارة التي استوردناها وأسأنا استخدامها. والاستعمار الذي يحذر منه ليس هو الاستعمار السائد إنما يرى أن الاستعمار هو عبارة عن مُعامل استعمار خارجي وقابلية داخلية للتكيف مع الاستعمار، وأن النجاة لا تكمن في شخص واحد أو في شيء واحد وإنما في فهم شامل للواقع، إذ إنه– اي الاستعمار– حين يجد قبولا في الداخل سيكون قوة تحمل معها الكثير من الإشكالات التي تُقعد المجتمعات عن التقدم، بدءا بمحاربة العلم ونشر الجهل واستنزاف الطاقات الشبابية وإفشاء النزاعات والخلافات والتي تستنزف ثروات الأوطان. في هذا الكتاب ستتعرف بشكلٍ أكبر على مالك بن نبي، ذلك المفكر الذي جاهد بقلمه لأن يحافظ على لحمة وطنه وقيم دينه والإسهام في تأسيس الطريق المؤدي الى رفعتهم وحضارتهم.