تحدَّث الناقد الأدبي الدكتور سعد البازعي عن المكانة المرموقة في الفِكْر العربي المعاصِر للمفكِّر مالك بن نبي، لاسيَّما من الزاوية التي واجَهَ فيها ذلك الفِكْرُ صنوفًا من القيود التي فرضها الاستعمار على تطوُّر الحياة الثقافية العربية بصفة عامة والجزائرية بصفة خاصة، وذلك في محاضرةٍ ألقاها في مجلس حمد الجاسر دار العرب بعنوان «مالك بن نبي.. القابلية للاستعمار» وأدارها خلف الثبيتي. وأوضح البازعي أنَّ مالك بن نبي المولود في قسنطينةبالجزائر «1905-1973م» عاش حياةً تُعَدُّ سجلاً متَّصلاً للهيمنة الاستعمارية الفرنسية التي عاشتْها بلاده حتى استقلالها في مطلع ستِّينيات القرن الماضي، وكان ذلك بالطبع سجلاًّ فكريًّا ونضالاً ثقافيًّا بعيدًا عن المقاوَمة العسكرية التي كانت تتأجَّج في الجزائر منذ أواسط الخمسينيات، وخاض ابن نبي حرب مقاوَمة على جبهات الكتابة والتأليف، أسفرت عن العديد من الأعمال التي تُعَدُّ إضافة مهمَّة للفِكْر العربي الحديث، لاسيَّما في جانبه المقاوِم للهيمنة. ووصف المحاضِرُ العطاءَ الفكري لمالك بن نبي بالتفرُّد بالقياس إلى كثير من المواجَهات السياسية والثقافية الأخرى، من حيث كونه مواجَهة لسُلطة المستعمِر وليس لسُلطة محلِّية سياسيةً كانت أم اجتماعية أم ثقافية كالتي شَهِدَها الوطن العربي بعد استقلال دُوَله، غير أنَّ سُلطة المستعمِر لم تكن- كما قد يبدو لأوَّل وهلة- سياسية أو عسكرية محضة بقَدْر ما كانت سياسية ثقافية، أو ثقافية ذات بُعْد سياسي. وقال: إنَّ ابن نبي سعى أثناء وجوده في فرنسا إلى دراسة العلوم الإنسانية ودراسة الفلسفات الغربية، وما يتَّصل بها من فِكْر اجتماعي ونفسي وأدبي، لكنَّه اصطدم بتعذُّر ذلك عليه بوصفه عربيًّا جزائريًّا، فانصرف مضطرًّا إلى دراسة العلوم الهندسية دون أن ينقطع اهتمامُه بالفِكْر والثقافة الفلسفية والأدبية التي استهوتْهُ ابتداء، وتعرَّف إلى الفِكْر الأوروبي، والفرنسي بشكل خاص.