دائما ما يتفاجأ مسؤولو المنشآت ومديرو الموارد البشرية بالثقافة العملية الضحلة لكثير من خريجي وخريجات جامعاتنا السعودية ومدى هشاشة الجانب العملي في مسيرتهم التعليمية، مما يتسبب في عرقلة بداياتهم المهنية وانخفاض حاد في توقعات الجميع تجاههم وهذا ما يولد بدايات عملية محبطة لجميع الأطراف، وبالتأكيد هذا الأمر ليس ذنب الطالب أو الطالبة بالدرجة الأولى، بل في رأيي الشخصي هو إخفاق الكثير من مؤسساتنا التعليمية (إذا ما استثنينا جامعة أو جامعتين) للأسس الحقيقية التي يجب أن يُبنى عليها التدريب الجامعي، لأن ما هو حاصل الآن تحت مسمى التدريب الجامعي العملي لا يعدو كونه فترة نقاهة للطالب أو الطالبة في آخر فترات دراسته الجامعية، فلا يُضبط بها حضوره ولا تُسند إليه مهام حقيقية ولا تتم مراقبته ولا تقييمه كما يجب ولا يُمكن من أداء العمل بشكل مهني، وهذا هو باعتقادي سبب رئيسي في ترنح الكثير من شبابنا وبناتنا في بداية حياتهم العملية. يعتبر التدريب الجامعي أو التدريب التعاوني COOP جزاء إلزاميا رئيسيا لإكمال الدراسة الجامعية، ويقع في آخر الفصول الدراسية وتتراوح مدته ما بين ثلاثة أشهر عند أغلب المؤسسات التعليمية، ويصل لسبعة أشهر في مؤسسات تعليمية أخرى لغرض تأهيل الطالب أو الطالبة عمليا قبل انخراطه أو انخراطها في سوق العمل. من جانب آخر بلا شك تحتاج مخرجات التعليم لدينا لمواءمة مع متطلبات سوق العمل، وكذلك مناهجنا الدراسية فهي لم تنضج بعد وتحتاج لعمل كبير للنهوض بها، وكلا الأمرين يحتاجان لجهود ضخمة وموارد مالية وبشرية كبيرة لتطويرهما مما سيستغرق فترات زمنية طويلة، لكن يبقى الاهتمام بالتدريب الجامعي العملي وتطويره وتحسين كفاءته وتفعيله هو الأقرب والأقل تكلفة كي نمهد طريق نجاح أبنائنا وبناتنا في حياتهم العملية. ومهما سعينا لتطوير ذلك فلن يؤتي أُكله سريعا نظرا للإرث الكبير الذي تكبده لنا التدريب الجامعي التقليدي بصورته الهزيلة، أما إذا أردنا النهوض بالتدريب الجامعي سريعا فأقترح ما يلي: أن يتم تطبيق التدريب الجامعي العملي بشكل سنوي في حياة الطالب أو الطالبة الجامعية ولمدة شهر مثلا وحتى لو بشكل جزئي ويمكن ربط هذا البرنامج بالمناهج الأكاديمية وبالأسس الرقابية والمهنية المثالية، علما بأن هذا المقترح سيكون مُربحا لجميع الأطراف، فالمنشآت مثلا ستحظى بأعداد وفيرة من المتدربين سنويا وبلا مقابل يُذكر مما سيخفف عليها بعض الأعباء المالية وستُسهم اجتماعيا بشكل نموذجي، والطالب والطالبة سيكونان رابحين أيضا حيث ستصُقل مهاراتهما العملية بشكل سنوي وستتعزز ثقافتهما العملية مما يدعم نجاحهما سريعا عند بدء محطاتهم العملية، وحتى المنشآت التعليمية ستكون رابحة بلا شك حيث ستنخفض فترة بقاء طلبتها دون عمل وسيزداد الطلب عليهم وعندها ستكون قد ساهمت فعليا في دفع عناصر فاعلة لسوق العمل. الخلاصة: إن بقي التدريب الجامعي العملي كما هو فلا نعجب من إصرار المنشآت على طلب ذوي الخبرات في أبسط الوظائف.