كنت وما زلت ممن استبشروا خيراً في وزير التعليم الحالي الدكتور أحمد العيسى لكونه أحد أبناء هذه المهنة، ولخبرته السابقة في إدارة مؤسسة أكاديمة نشطة في وقته، بالإضافة إلى ما قدمه من أفكار لتطوير التعليم في المملكة قبل أن يجلس على كرسي الوزارة، مع هذا فإن الواقع يشير إلى أن الوزارة ما زالت تعاني من مشكلة إصدار الأوامر بأثر رجعي. قبل أن يتقلد العيسى الوزارة دفع الدارسون على حسابهم الخاص ضريبة تغيير الوزير ورؤيته وما جرى من تعديل أو إعادة بعض الشروط المهملة في ضوابط ضم المبتعثين وهو ما كان يخالف جملةً وتفصيلاً الوعود التي تلقوها من الوزارة في عهد وزيرها الأسبق، وبمعنى آخر فإن الوزارة طبقت ضوابطها وأفكارها ورؤيتها بأثر رجعي على شريحة من المواطنين قاموا باتخاذ قراراتهم استجابة لقرارات وزير مختلف..! اليوم يتكرر المشهد في قضية جديدة تتعلق بمصير آلاف الخريجين من برامج الانتساب التي أتاحتها الجهات التعليمية الحكومية التي تشرف عليها الوزارة وما زالت؛ بعد أن جاء قرار الوزير الحالي ترجمةً لرؤيته الجديدة في ضرورة عدم مساواة الخريج المنتظم والمنتسب في المفاضلات للوظائف التعليمية، لكنه شمل أيضاً الخريجين الحاليين. وللأمانة فأنا أتفق شخصياً مع رؤية الوزير من حيث الفكرة الأساسية التي تتعلق بوجود أفضلية للمنتظم كونه مارس العملية التعليمية بشكل يومي على عكس المنتسب وخاصةً فيما يتعلق بالمنتسبين من غير ذوي الخبرة، وإن كنت أخالف هذا الطرح فيما يتعلق بالمنتسبين ممن يعملون في وظائف نهارية قدّمت له من الخبرات ربما أكثر بكثير من التعليم المنتظم لكنها للأسف لا تؤخذ بعين الاعتبار من الوزارة. وبعيداً عن الفكرة ذاتها، فإن هؤلاء الطلاب اتخذوا قراراتهم بالدراسة على طريقة الإنتساب وفق نظام سابق لا يعطي أية أولوية للمنتظم على المنتسب من قبل الوزارة، ولا يفرض أية قيود أو ضوابط تصعب من فرص قبولهم في المراحل الدراسية اللاحقة أو المفاضلات على الوظائف التعليمية، وبالتالي فإن غضب هؤلاء الطلاب بعد وضع ضوابط من هذا النوع مبرر إلى حد كبير. أليس من العدل أن لا يُطبق مثل هذا القرار بأثر رجعي على الخريجين في مفاضلات هذا العام على أقل تقدير؟ فهؤلاء كانوا ضحية تغير في فكر الوزارة دون أن يكون لهم الخيار، بعكس الدارسين الجدد الذين سيكون لهم فرصة اختيار الدراسة بنظام الانتظام أو الانتساب وهم على علم برؤية الوزارة الجديدة (في حال استمرار هذه الرؤية بطبيعة الحال). ضرورات التغيير يجب أن لا تنسِ وزارة التعليم أنها ليست فقط أكبر وزارة في تاريخ المملكة من حيث المنتمين لها بعد ضم الوزارتين، فهي أيضاً أكثر وزارة ارتباطاً بمستقبل ومصائر المواطنين، وربما أهم جهة حكومية تصب قراراتها في تحقيق الرؤية السعودية الجديدة، وبناء كوادر ملائمة لها، وهو ما يفرض إيجاد نوعٍ من التوفيق بين الوضع الراهن والمستقبل كيف لا تخلق مشكلات جديدة من هذا النوع. أخيراً أقترح على الوزارة (وربما غيرها من الوزارات) أن تبحث عن مشورة قانونية محايدة لدراسة أية قرارات مستقبلية سيتم تطبيقها لتشمل المواطنين بأثر رجعي، فلعل بعض المتخصصين في هذا المجال قادر على شرح المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تترتب على القرارات التي تصدر بأثر رجعي دون مسوغ قانوني مقبول. وبالمثل فإن الحاجة ملحة لوضع خطط استراتيجية ليس فقط من قبل وزارة التعليم بل في كافة الوزارات الخدمية لإدارة المرحلة الانتقالية بين اللوائحة الحالية التي وُضعت بناءً على أهداف ورؤى سابقة وبين اللوائح الجديدة التي تترجم الأفكار والرؤى الجديدة والتي تتوافق مع رغبة المملكة في التطوير وتراعي أيضاً من علقوا بين الرؤية السابقة والجديدة فهؤلاء مواطنون أيضاً.