لا يزال العلم يفاجئنا يوما بعد يوم بالجديد من مبتكراته، أو اكتشافاته للأسس العلمية التي تعتمد عليها ممارسات لم يكن أحد ليلتفت إلى جذورها العلمية، أو إلى تأكيد العلم على صحتها وجدواها، وفي كتابه «الخدمة الاجتماعية العيادية» خصص الأستاذ الدكتور رأفت عبدالرحمن محمد، فصلا عن العلاج بالقراءة العامة التي يتم اختيارها بعناية من قبل المختصين، مشيرا إلى ما ذكرته لندى وريتشارد في كتاب «كيف تعلمون أطفالكم الفرح» حول: (إن القراءة وسرد القصص من أحد الطرق التي تساعد الطفل على الوصول إلى ما يعرف بالفرح العقلي، فإذا كان الطفل يعرف أشكالا عديدة للأفراح العفوية، فمن خلال القراءة والقصص يجد الطفل أجوبة لكافة الأسئلة، الأمر الذي ينعكس على توافقه) ويؤكد أيضا بريان كليج في «كتابه إدارة العقل»: (إن القراءة تعد أحد أساليب تحسين وتطوير المعرفة، كما يرى أن القصة هي أحد الأساليب التي تساعد على عملية التذكر، وتحسين إدارة عقل الإنسان بصفة عامة). ومنذ بداية القرن العشرين بدأ الاستخدام العلمي للعلاج بالقراءة بكفاءة عالية في المستشفيات الأمريكية العامة، ولعل هذا يعيدنا إلى ما هو سائد في المجتمع الإسلامي من دور قراءة القرآن الكريم في علاج المرضى، مصداقا لقوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ). وانطلاقا من هذه القاعدة القرآنية التي سبق إليها القرآن العلم الحديث.. تصبح القراءة وسيلة علاجية يمكن اللجوء إليها في المستشفيات، مما يعني ضرورة وجود المكتبات في المستشفيات، واختيار الكتب والمواد والبرامج التي تناسب سن وثقافة المريض ونوع مرضه، لأن بعض الكتب تصيب المريض بالاكتئاب، مما يزيد من حالته المرضية بدلا من علاجه الجسدي أو النفسي، فحسن الاختيار لهذه الكتب، هو أساس إمكانيات العلاج بها. ومن الملاحظ أن كثيرين من هواة القراءة يعيشون أوضاعا معرفية أفضل تساعدهم على تجاوز الكثير من المواقف الصعبة، مما يخفف من الضغوط الجالبة للمرض، فالمعضلات الحياتية ومنها المرضية يسهل التعامل معها بالقدر الذي يملكه الإنسان من الأساليب المعرفية التي تقربه من شاطئ الأمان، وهو يقود سفينة وضعه الصحي، متجاهلا أمواجا عاتية من النصائح التي يزجيها له كل من حوله من أقاربه ومعارفه، والتي لو أخذ بها جميعا لغرق في بحر الأمراض التي يجلب بعضها بعضا في حالة غياب الوعي الصحي لدى المريض. قد يبدو العلاج بالقراءة العامة بعيد المنال أو هو مستغرب في المجتمعات الأقل ثقافة وفي الأوساط الشعبية، لكن العلاج بالقراءة ما زال يؤكده علماء الاجتماع وعلماء النفس والأطباء، ولسنا بصدد تفاصيل العلاج بالقراءة وأدواته واهدافه واستراتيجياته، فهذا أمر يطول شرحه، ويمكن لمن يريد الاستزادة من هذا العلم الرجوع للكتب المختصة في هذا المجال، ولكن من المفيد أن نعرف نوع الكتب المستخدمة في العلاج بالقراءة، حيث كما يقول المؤلف: (تجمع أدبيات العلاج بالقراءة على إمكانية استخدام المعالج «الأخصائي الاجتماعي وفريق العمل بالمستشفى» أي شكل من أشكال الإنتاج الفكري كأدوات ومواد يستند إليها التدخل المهني، شرط أن يراعي فيها الأسس العلمية للاختيار، فالكتب السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة، والقصص بأنواعها المتعددة، وكذلك الشعر والأفلام وما في حكمها من نشاط درامي، يمكن استخدامها بفاعلية في العلاج بالقراءة) للصغار والكبار. والإشارة للكتب السماوية هنا ترتبط بالإيمان الذي يعرفه التابعون لكل دين، وهو الإيمان القائم على المعرفة. الجوانب الروحية بصفة عامة ذات تأثير مباشر على صحة الإنسان النفسية وبالتالي الجسدية، والقراءة بتأثيرها الروحي/ الوجداني تفضي إلى التأثير على الجانب الجسدي لدى الإنسان، مما يفسر عاملا من عوامل التأكيد على إمكانيات نجاح القراءة في العلاج، وهو الأمر الذي يبشر العلم باللجوء إليه في المستقبل، لكل الناس في المستشفيات العامة.