في حقبة ما بعد النكسة 1967 سادت موجة من النقد الفكري للحال العربي، ولم يخلُ هذا النقد من مسحة أيدولوجية، بدأت العام 1969 مع المفكر صادق جلال العظم في كتابه «نقد الفكر الديني»، الذي صودر في بيروت ووجهت لمؤلفه وناشره التهم بزعزعة أوضاع المجتمع والحث على الفتنة، وكان ذلك عام 1970. وبعد النكسة جاء كتاب المؤرخ المغربي عبد العروي بعنوان: «الإيدولوجيا العربية المعاصرة»، وكانت هناك محاولات جادة لهشام شرابي في نقد المجتمع الأبوي كسبيل من سبل التخلف، فيما رأى خلدون النقيب أن القبيلة والولادة المشوهة لفكرة الدولة العربية هي أحد اسباب الاستعصاء التحديثي والوصول لدولة المواطنة. هؤلاء المفكرون وغيرهم، اسهموا في اسماع صوتهم للاستبداد العربي، الذي عاش بعد النكسة على أيدولوجيا التقدمية الثورية، وبناء الحزب ومقولات العدالة الاشتراكية، وكان الحس القومي الذي ولد صادقاً مفتتح القرن العشرين عند العرب وانفتح على أفكار التحديث والإصلاح واللامركزية بعيداً كل البعد عن تحول مفهوم القومية والعروبة في حقبة ما بعد النكسة. وما زال ثمة أفكار عربية لنخب ترى بإمكانية القول بالمصير العربي المشترك والوحدة، وتصر على أن التحديث العربي لم يتحقق، وأن الاستبداد ولد الفوضى. الإثنين الماضي أطلّ المؤرخ والمفكر علي محافظة على جمهوره المثقف في عمان، ليقارب الحديث ويُحدث المقارنات ويبيّن المآلات للمشروع الوحدوي العربي، وسبل الخلاص من واقع يراه تحقق نتيجة غياب العدالة وشيوع الفساد والخوف. وحين سئل عن المخرج الممكن للواقع العربي شدد محافظة، على أن خيار الأمة للخروج من واقعها يكمن بالبديل القومي، بالمعنى الذي يجمع العروبة والإسلام معاً، والذي يستنهض العقل ويبدد التخلف والجهل، وقال: إن أنظمة الحكم الشمولية هي المسؤولة الأولى عما وصل إليه العرب اليوم من مصير بائس، من خلال ممارساتها الاستبدادية، واحتكار السلطة، والحكم الفردي المطلق، ومصادرة الحريات العامة والفردية. محافظة المولود عام 1938 شمال الأردن في بيئة قومية، والمعروف بخطه الفكري القومي، انعكست نشأته وثقافته على اهتمامه بقضية الوحدة العربية، ومنذ بواكير مؤلفاته ذهب للبحث عن النهضة العربية وخطابها اوائل السبعينيات من القرن المنصرم، ومن ثم مؤلفاته الحديثة والعديدة عن الوحدة العربية والموقف الغربي منها، يريد القول إن الغرب لا يمكن أن يترك مجالاً للتوافق العربي والوحدة. وقد نجح الغرب في ايجاد نخب ونظم تعليمية ملتحقة به، وهذه النخب تطوعت لخدمة المشروع السياسي عند بعض الدول العربية وزينت الاستبداد، وهذا ما أشار إليه عند الحديث عن آثام السلطة السياسية العربية، التي لم تقف عند حدود، لافتاً إلى أنها اعتدت على كرامات الناس، ومارست القهر والقمع من خلال أجهزتها الأمنية، كما أنها فشلت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحد من تدني مستوى المعيشة والفقر والبطالة والفساد. وهو يربط بين تلك السياسات والآثام ويراها سبباً في تمرد الشباب ووقوعهم فريسة سهلة في أيدي الحركات الجهادية، «ومنظمات الإرهاب الدولي التي اجتاحت البلاد العربية، بعد أن تم تدريبها على أيدي القوى الدولية الكبرى». لم يغادر محافظة البحث عن الوحدة العربية، عائدا إلى أولياتها التنظيمية منذ مؤتمر القدس العام 1938 ثم مع نشوء الجامعة العربية، ولكنه لا يفصل مشروع الوحدة العربية أو مشاريع الوحدة عما أصاب الواقع العربي من مخاطر سحقت كل آماله، التي بدأت مع النكبة الفلسطينية في العام 1948 وقيام إسرائيل، ثم مع النكسة 1967 ثم مع حرب لبنان ثم مع حرب الخليج الثانية 1990 ثم مع احتلال العراق 2003 ووصولا إلى الراهن العربي، الذي جاء نتيجة ثورات عربية لم تنته بعد وأوجدت سوريا الممزقة والعراق المحتل، واليمن الذي يحاول استعادة وحدته. وبحسب محافظة، فإن الأخطار والتهديدات التي تحيق بالعرب، جعلتهم بحاجة إلى التضامن والتعاون العسكري، ما جعل مجلس الجامعة العربية يقر معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، غير أنها لم تكن اتفاقية فاعلة بسبب «الخلافات والمنازعات بين نظم الحكم العربية، وغياب الإرادة السياسية». واستعرض محافظة تاريخ محاولات النظم العربية لإقامة أنواع من التضامن والوحدة فيما بينها، كما استعرض أوجه خرق وتطبيق ميثاق الضمان الجماعي العربي، مثل إبرام الاتفاق العراقي التركي «حلف بغداد»، الذي تعارض مع المادة العاشرة من الميثاق، إضافة إلى عدم تطبيق العرب للميثاق. ومع أن محافظة يؤكد أوجها جلية من التضامن العربي، مثل تشكيل القوة العسكرية العربية لحماية استقلال الكويت العام 1961، وفي أعقاب هزيمة حزيران العام 1967، وأيضا خلال حرب رمضان 1973، إلا أن الخلافات تجددت وتطورت، خصوصاً مع الحرب الأهلية اللبنانية، وزيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى القدس، التي أتبعها بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، إضافة إلى الحرب العراقية الإيرانية، التي زادت من حدة الانقسامات العربية، تلاها الغزو العراقي للكويت، الذي قضى على التضامن العربي، وصولاً إلى احتلال العراق في العام 2003. وإذ يحذر محافظة من أوجه الخراب العربي، الذي أدى إليه هذا الاحتلال، إلا أنه يرى أن العراق انتهى نهاية مفجعة، خصوصاً مع إقامة نظام حكم طائفي تحت الاحتلال، ما قاد إلى تراجع الهوية الوطنية المجتمعية لمصلحة هويات طائفية، ليزداد مستوى الصراع داخل البلد، وهو ما فتح الطريق أمام إيجاد تربة خصبة لتنظيم القاعدة، متحولا مع السنوات إلى تنظيم «داعش»، لتنتقل النار بعدها إلى سوريا، كما تحولت الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر واليمن وليبيا إلى حروب أهلية مع ظهور حركات الجهاد السلفية. التدخل الأجنبي كان وما زال عقدة الوحدة العربية، هكذا قال المفكرون العرب دوماً، وتحت ظل هذه التهمة والمخاوف عطلت الديمقراطية، والعرب ليس لديهم مشروع كبير يواجه ثلاثة مشاريع كبرى في المنطقة بحسب محافظة، وهي: المشروع الإيراني التوسعي، والمشروع التركي والمشروع الصهيوني، وهو يخلص إلى أن العرب لا سبيل لهم في نهضة دون مصر، التي تشكل ثلث السكان العرب بغض النظر عمن يحكمها، وينتهي إلى القول إن: «العرب لا بديل لهم عن المضي نحو الديمقراطية ودولة المواطنة». يذكر أن علي محافظة شغل مناصب أكاديمية عديدة، ونال عدة جوائز فكرية عربية وأوسمة رفيعة ورأس أكثر من جامعة في الأردن، وله العديد من المؤلفات ومنها: العلاقات الأردنية - البريطانية (1921-1957) 1973. وتاريخ الأردن المعاصر، عهد الإمارة عمان 1973، والاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة (1798-1914) بيروت، طبع خمس طبعات 1975، 1978،1980،1983، 1987. والعلاقات الألمانية - الفلسطينية (1841-1945) بيروت، 1980. وموقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية (1918-1945)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985. والحركة الفكرية في فلسطين وشرقي الأردن (1775-1925)، بيروت 1987. والفكر السياسي في فلسطين (1918-1948)، عمان 1989. والفكر السياسي في الأردن (1916-1946) جزءان، عمان 1990. وأبحاث وآراء في تاريخ الأردن الحديث، بيروت، 1998. وأبحاث في تاريخ العرب المعاصر، بيروت 2000. والديمقراطية المقيدة، حالة الأردن 1989-1999، بيروت 2001. ودراسات في التربية والتعليم، عمان، 2001. وألمانيا والوحدة العربية 1945-1995، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2002. و«فرنسا والوحدة العربية 1945 – 2000»، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت. وله مئات الأبحاث والمساهمات الفكرية الثقافية.