مبادرة رائدة تلك التي أقدمت عليها وكالة الدراسات العليا والبحث العلمي بالمركز الوطني لأبحاث الموهبة والابداع بجامعة الملك فيصل بالأحساء مؤخرا، وتتعلق بدراسة مواهب الأطفال وكيفيات اكتشافها واستثمارها، وهي مبادرة متقدمة لا شك أن لها فوائدها الجمة للتعرف على مواهب الأطفال منذ الصغر والعمل على صقلها وتوجيه فلذات الأكباد الى الوسائل والطرق التي تمكنهم من اكتشاف ما لديهم من مواهب وكيفية استثمارها بشكل مناسب. ولا شك أن البداية الحقيقية لاكتشاف مواهب الطفل تبدأ عادة من الرعاية الأولية في رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، هذه البداية هي التي تمهد لاكتشاف ميول الطفل نحو موهبة من المواهب التي يجب أن تظهر على السطح حتى يتم تنميتها ورعايتها وتشجيع الطفل على ممارسة الأساليب والطرائق التي تمكنه من الاستفادة من تلك الموهبة التي تبدأ صغيرة في العادة ولكنها تكبر وتتضخم مع مرور الوقت. الكشف عن مواهب الأطفال في تلك الرياض والمراحل الابتدائية ورعايتها يؤديان دون أدنى شك لرسم رؤية مستقبلية يمكن أن ترسم للطفل، وبامكانه الاستفادة منها منذ الصغر، فمن شب على شيء شاب عليه كما يقول المثل السائر، فاذا شب الطفل على ممارسة هواية مفيدة تفتقت حينئذ موهبته ومن ثم فإنه سوف يشب عليها بتنميتها واستثمارها في مستقبل الأيام، وهذه حقيقة ينصح علماء النفس والاجتماع بالأخذ بها وتطبيقها. ومن ثم فإن الابداع الذي يتولد عادة من اكتشاف الموهبة منذ الصغر يمثل في حقيقة الأمر موهبة يتوجب رعايتها وصقلها وتنميتها في نفس الطفل، والمبدعون الكبار في العالم من المشاهير في أي علم اكتشفت ابداعاتهم في وقت مبكر، ومارسوا من التجارب ما حقق لهم النجاح في تنمية موهبتهم التي أوصلتهم الى مرحلة الابداع في كثير من المسارات العلمية والفنية والأدبية ونحوها. وتبقى المسؤولية كبيرة على رجالات التربية والتعليم لنشر ثقافة الموهبة والابداع في نفوس الأطفال، ومن ثم المساهمة الفاعلة في تطوير العملية التعليمية في مجال تربية الموهوبين من خلال الأنشطة والمشاريع البحثية والبرامج الأكاديمية التدريبية التي ان نفذت كما يجب أن تنفذ فإنها سوف تحقق النجاحات المأمولة والمطلوبة لاكتشاف مواهب الأطفال وتنميتها واستثمارها. ويبدو أن الطريقة المثلى للوصول الى اكتشاف مواهب الأطفال واستثمارها تكمن في نشر تلك الثقافة بوسائل علمية متقدمة تخرج عن التربية التقليدية القديمة التي تعتمد في أساسها على التلقين والحفظ، فالابتكار والابداع مسألتان هامتان لا يمكن تنفيذهما عن طريق حشو عقول الأطفال بالمعلومات دون تعويدهم على الممارسة والتجربة وخوض غمار الابتكار والتجديد والابداع. صحيح أن الوكالة أقدمت على خطوة متقدمة ورائدة في هذا المجال، غير أن من الواجب تعميم هذه الفكرة الرائدة في سائر الرياض بالمملكة عامة أو خاصة وكذلك في المدارس الابتدائية، فالاكتشاف المبكر لأي موهبة من المواهب لدى الأطفال سوف يمكنهم من تنميتها برعاية واهتمام المربين والمدرسين وتوجيهاتهم وارشاداتهم ونصائحهم، فالخطوة الأولى تبدأ بتطبيق تلك الفكرة في الرياض والمدارس الابتدائية ثم تبدأ بعد ذلك مراحل الاكتشاف. اكتشاف مواهب الأطفال يبدو عملية صائبة وسليمة ولابد من الأخذ بها في سبيل صناعة أجيال قادمة قادرة بفضل الله وعونه على الاستنباط والابتكار والابداع، ولن يتأتى ذلك بطبيعة الحال الا من خلال الاكتشاف المبكر لتلك المواهب وتشجيع الأطفال على ممارستها بشكل عملى، وهو تشجيع لابد أن يتخطى العقبات والفشل والعثرات، فالتجارب المتوالية تصقل موهبة الطفل وتمنحه مساحات واسعة من اعمال فكره وتسخير موهبته في محاولة للوصول الى الغاية المثلى من اكتشاف تلك المواهب واستثمارها لدى الأطفال.