حوادث الشغب الدامية، التي اندلعت في ملعب وشوارع مرسيليا بعد مباراة روسيا وانجلترا كانت بمثابة نقطة الحبر السوداء على صفحة بطولة كأس امم اوروبا لكرة القدم الناصعة، التي انطلقت قبل أيام قليلة في فرنسا.. كان الاجدى من السلطات الفرنسية والاتحاد الاوروبي لكرة القدم اتخاذ اجراءات أشد صرامة.. وأكثر قسوة بحق المشجعين الروس، الذين شوهوا صورة البطولة.. والغريب أن (الصيت لناس.. والفعل لناس)، كما يقول المثل الشعبي الشهير لأن الاحترافية الحصرية في الشغب والعنف «الهوليجانز» من اختصاص المشجعين الانجليز بعد تكرار سوابقهم في إثارة المشاكل والاحداث العدوانية في بطولات كثيرة إلا أن الفعل هذه المرة كان للروس.. وقال أحد المشاغبين الروس:(برهنا للعالم أننا حولنا المشجعين الروس إلى أطفال). ? وهل نسينا أحداث مباراة ليفربول الانجليزي ويوفنتوس الايطالي في نهائي كأس أندية اوروبا ومأساة ملعب هيسل في بروكسل ببلجيكا ليلة (29) مايو آيار (1985)، حيث فرض الاتحاد الاوروبي آنذاك عقوبة الايقاف ثلاث سنوات بحق الاندية الانجليزية، ثم امتدت سنتين اضافيتين بعد أحداث المشجعين الانجليز في كأس امم اوروبا في المانيا عام (1988).. وأعتقد أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي لكرة القدم على روسيا جاءت هزيلة وهشة ولا تتناسب مع ما اقترفته مجموعات «الهوليجانز» الروسية والقاضية باستبعاد المنتخب الروسي من بطولة امم اوروبا الحالية في فرنسا مع ايقاف التنفيذ وغرامة مالية على الاتحاد الروسي (150) الف يورو وترحيل خمسين مشجعاً روسياً إلى بلادهم. ? ويقال إن «الهوليجانز» الروس متدربون على الاشتباكات وحرب العصابات وفنون القتال القريب فكانوا أشبه بفرق الموت.. فهم متوحشون وطافحون بالحقد والكراهية.. وعزا خبراء في أعمال الشغب والعنف أن إفراط المشجعين الروس في احتساء المشروبات الكحولية أدى إلى فقدان عقولهم ما حذا بالسلطات الفرنسية منع بيع المُسكِرات الكحولية بكل أنواعها في المناطق المخصصة للمشجعين. ? وأوهنا أن اُكرر جملة في مقدمة المقال أن (ما حدث في مرسيليا نقطة حبر سوداء على صفحة كأس امم اوروبا).. وقبل حوالي (58) سنة عندما كنا تلاميذ في المرحلة الابتدائية كنا عندما تسقط نقطة حبر على ورقة بيضاء نُنَشِفُها بورق نشاف يمتص الحبر ومع ذلك كانت النقطة السوداء تترك اثراً.. آنذاك لم يكن قلم (الكوليكتر) موجوداً يعني بالعربي قلم المُزيل. ? عندي صديق لا يحب كرة القدم قال لي بعد أحداث مرسيليا: هذا الورق النشاف موجود قلت: (وين) موجود؟ قال: اقعدوا داخل الملعب بدون صراخ.. ولا قيام ولا قعود.. ولا تشجيع..ولا هتاف .. ولا طبل.. ولا زمر..ولا سماعات ومكبرات صوت ولا أغانٍ.. ولا حتى لعب حماسي وانفعالي.. قاطعته قائلاً: هذا حكم قرقوش وإذا كنت تقصد أحداث مرسيليا، فإنها لم تقع فقط داخل الملعب، بل امتدت إلى شوارع المدينة وشَهِدت مدن فرنسية اخرى شغباً أخف، وإذا كان رأيك أن تتحول مدرجات الملعب لفصل مدرسي أو مجلس عزاء فهذا مستحيل. ? وأضفت قائلاً: التشجيع مطلوب وضروري ومن أهم مرتكزات نجاح المباراة لكن ليس على الطريقة الروسية، فهناك بون شاسع بين التشجيع الرياضي وبين الشغب المُعنف.. وبين الكتابة بالحبر الأسود والكتابة بالقلم الرصاص.. وبين إراقة العرق التنافسي وإراقة الدم السائل والمصيبة أن دماء الشغب حبر لا تمتص آثاره كيلو مترات من (رولات) أوراق النشاف.. والحل باستعمال التشجيع الناشف الذي لا يترك لطخات حمراء على صفحات الملاعب الرياضية الناصعة... وإلى اللقاء.