بادئ ذي بدء، لا بد أن أقول إنني بصدد الحديث هنا عن شخصية فذة، رحلت عنا - منذ أيام - الى جوار ربها، ثم سأطلب منك -عزيزي القارئ- مشاركتك في الدعاء له بالرحمة والمغفرة.. سأحدثك عن انسان فاضل وكريم، من شيمه الصدق والوفاء، له في الحكمة باع، وله الكثير من البصمات الوطنية.. سأحدثك عن ذلك الإنسان المناضل، والأب الحنون، والرجل الشهم (حسن بن علي السلطان)، الذي كان شريكا فاعلا في التنمية التي شهدتها بلادنا عندما كان -يوما ما- مديرا عاما للمنتزهات الوطنية في المملكة، وتخرج على يديه نخبة من أبناء الوطن المتمرسين في احوال الزراعة والمنتزهات وعلومها، واسهم -رحمه الله- في غرس الكثير من النخيل والاشجار في قارتنا السعودية. في ساعة حزينة جاءني خبر وفاته، ووقع علي كالصاعقة، وما هي الا ساعات ونحن نقف في المقبرة نودعه الوداع الاخير بألم وحرقة، وعندما حملت القلم لأكتب عنه فقدت القدرة على التركيز مرارا، حيث تناوبت على مخيلتي ملامحه، وعجزت عن رثائه بعبارات ترضي ضميري وترقى الى مقام روحه الطاهرة، ومثلما عجز عقلي عن تقبل رحيله المفاجئ، فقد عجز قلمي ان يفيه حقه من المعانى الجميلة التى يستحقها، ولكن بعد أن مرت أيام على رحيل العزيز (ابو مشاري) أعدت المحاولة، ورأيت أن أشاركك -عزيزي القارئ- بما لدي، وتشاركني في الدعاء له. فقيدنا الغالي ترك في نفسي وفي نفوس الآخرين ذكريات مكتنزة بالحب الصادق، كان مؤمنا بأنه قد خلق لقومه قبل أن يخلق لنفسه، وكان يؤثر رضا الضمير على رضا الناس، وكان -رحمه الله- من الخيرين الساعين لحب الخير، لا تعرف يمينه ما تنفق شماله. حين اتحاور معه -رحمه الله- أشعر بنوع من السرور والرضا النفسي، الذي يقع في نفسي، فكان في حوارته ينتهز الفرصة ليبث الدعابة والمرح الخفيف على النفس، ويطرح الأسئلة العميقة التي تحرك العقول وتحفز الحضور على المناقشة وتحثهم على البحث، وكان يملأ المجالس بالمرح المفيد مقتديا بما جاء في الاثر (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت)، ولكونه -رحمه الله- يبدأ بطرح الحوارات ويستهل النقاشات ويحيي الجلسات في كثير من المناسبات، فقد أطلق عليه بعض محبيه مسمى (ملح) المجلس، أما الكلمة التي لا انساها منه والتي كان يستخدمها في كثير من الاحيان للمبالغة في وصف الشيء هي كلمة (خرافي). الحديث عن حواراتي معه يحتاج الى مساحة أوسع من مقالة، وستظل حواراته و(قفشاته) منارا يضيء لنا الدروب، وعنوانا حسنا يرمز الى حُسن (حسن)، ولكن ما سأعرضه عليك هنا، لا يعدو أن يكون محاولة بسيطة لتناول جزء من هذه الشخصية التي لا تمل مجالستها والحديث معها، فهو يأسرك بروحه المرحة وبابتسامة التي لا تفارق شفاهه، وتجده مع معارفه ومحبيه كريما في تواصله والسؤال عنهم ومشاركتهم افراحهم واحزانهم، وهو لبعضهم الصديق الوفي، والأخ الشقيق، ولبعضهم ينبوع محبة، ولبعضهم سيل سخاء، ولبعضهم زميل الصبا والشباب في الحل والترحال، حتى انه بعد رحيله شعر البعض منهم بالوحدة الموحشة. كان -رحمه الله- يحدثنا بكل ود عن زملاء الدراسة وزملاء العمل في مشروع الري والصرف بالاحساء، وفي الشركة الشرقية الزراعية، وفي شركة ندى الزراعية، وأشير هنا إلى أنه -رحمه الله- اشرف شخصيا على تدشين عدد من المنتزهات حول المملكة، عندما كان مديرا عاما للمنتزهات الوطنية، وكان يروي لنا اجزاء من عمله الدؤوب الذي كان يمارسه اثناء تدشين المنتزهات بتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل حينما كان أميرا لمنطقة عسير. قضت سنة الحياة أن يمضي الجميع الى خالقهم، ولكنهم ليسوا سواء من حيث ما يتركون من أثر في نفوس البشر، فمنهم من لا يذكره الناس، ومنهم من يترك الأثر الطيب الذي يعكس مكانته وينقش ذكراه الطيبة في ذاكرة الجميع، نعم.. لقد بقيت معنا الذكريات واللحظات الجميلة التي تركها (ابومشاري) وستظل ذكراه العطرة راسخة في قلوبنا. (ابو مشاري) رحل عنا، ولكنه معنا، ونحن نودعه بألم وحزن، ولكن ما يواسينا كثيرا هو حب الله له، لأنه ورد في الاثر أنه (من احبه الله احبه الناس) وفقيدنا قد احبه الناس بلا شك، لذا فهو - إن شاء الله - محبوب من الله، ولتطمئن قلوب ذويه، لأن الله قدر له بأن دوره في الحياة قد اكتمل، وادى واجبه..نسأل الله أن يبدل له الدنيا بجنته مع النبيين والصديقين والشهداء، وينزل على قلوب ذويه السكينة ويلهمهم الصبر والسلوان.