لا قيمة للعلم إن لم يكسبك «مهارة التفكير السليم»، ومهارة التفكير السليم أو خاصية التفكير الصحيح لها أوجه عدة، منها: أن تكون قادرا على الاستفادة من المعلومات التي تملكها في المواقف التي تستدعي توظيفها، وليس هذا فحسب، بل إن امتلاك منطق التفكير السليم، يكسبك مهارات مترابطة تمنحك حسن التصرف في الأزمات الطارئة، والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة والمتزنة حتى في المواقف النفسية الضاغطة. هناك فرق بين «العقل المتعلم» و»العقل المبتكر» فالأول نتاج التعليم التلقيني، أما الثاني فهو محصلة التعليم التحفيزي. فالعقلية المتعلمة هي التي تملك معلومات وفيرة في مجال التاريخ والحساب واللغة مثلا، بينما العقلية المبتكرة هي التي تملك خريطة تفكير وطرقا متعددة للتحليل والاستنتاج والقياس والوزن. وبالمناسبة فقد ذكر لي أحد الأطباء - عندما كنت أتحدث معه حول هذا الموضوع - أن هذا النمط من أصناف العقول وطرق توظيفها، ينطبق على الأطباء، فهناك الذين يأخذون بمعلومات العلم بحذافيرها ويسعون إلى تطبيقها بمسلمات معينة غير قابلة للتغيير، وهناك من يكون لديه مهارة عالية في ربط جملة من التفصيلات والمعطيات الصحية عند تعاطيه مع الحالات المرضية. إن تمايز الناس في هذا النوع من العقول وطرق التفكير، هو الذي يجعلنا نصادف أناسا نعتقد أنهم على قدر عال من الذكاء العلمي والاجتماعي أحيانا والذي يمنحهم جاذبية خاصة تجعلنا نعجب بهم ونثق في أذواقهم وآرائهم، وربما نتطلع إلى استشارتهم في بعض القضايا التي تلتبس علينا، وهذا التمايز الفكري أيضا هو الذي يجعلنا نصادف مقابل الفئة السابقة أناسا لا يحسنون التصرف في المواقف المختلفة، ولا يتخذون قرارات متلائمة مع مواقع مسؤوليتهم الاجتماعية والمهنية والشخصية، على الرغم من أنهم في بعض الحالات يتمتعون بدرجة عالية من المؤهل التعليمي ويملكون حصيلة ثقافية جيدة عن معظم المواضيع العامة!! ومثل هؤلاء يجعلوننا نقف مدهوشين من قلة تأثير العلم والثقافة عليهم، نقف مدهوشين من انخفاض جدوى تعليمهم على شخصياتهم وتقديرهم للأمور، لذا نعود من جديد ونقول : لا قيمة للعلم والتعلم ما لم يكن نتاجه في الأخير «اكتساب مهارة التفكير السليم» لا فائدة منه ما لم يلهمك «خارطة ذهنية» تجعلك مستعدا في معظم أحوالك للتحليل والربط والاستنتاج والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة، ورؤية الأمور بمنطق سوي يسهم في تجويد نمط حياتك أو على الأقل الحفاظ عليها في إطار متزن وسليم تتقلص فيه مشاكلك وضغوطات حياتك. العقل المبتكر لا يعود بالنفع على صاحبه إنما يمتد ليكون عنصرا ذا قيمة في محيطيه الاجتماعي والعملي. في النهاية؛ لا تقبل من العلم بأقل مما يحسن طريقة تفكيرك ويوسع مداركك ووعيك .. لا تتعلم لتكتسب المعلومات، تعلم لتدير حياتك بطريقة أنفع وأسهل وأمتع .. معظم القياديين الملهمين أصحاب التأثير الجاذب كانوا ينتمون للذهنيات المبتكرة، صاحبة الخرائط الذهنية التحليلية، تلك التي تمنح ربطا واستنتاجا سريعا صائبا في أغلب حالاته لا يخطئ التقدير ولا يحيد كثيرا عن حكمة القرار.