شدد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، على أن وحدة الصف واجتماع الكلمة غايات مطلوبة في كل حين، فهي عنوان قوة الأمة، وسر حفظ البلاد، ولكنها في هذه الظروف التي يتربصبها الأعداء ويتطاول فيها المغرضون تكون أشد إلحاحا وأعظم حاجة، فيجب على كل مسؤول أيا كانت مسؤوليته أن يتأمل في الأوضاع ويعيش الواقع ويستوعب النوازل المحيطة به، وخاصة في هذه البلاد المباركة القائمة على شرع الله الرافعة لراية التوحيد، وقد أدرك العالم وحدة صفها وتماسك جبهتها الداخلية وحسن علاقتها بمن حولها ومصداقيتها. تلاحم المجتمع كما شدد د. ابن حميد، على أنه يجب على كل مسؤول الالتزام بكل ما يؤكد روابط الوحدة وتلاحم المجتمع، بعيدا عن المزايدات وعن كل نقاش لا يتناسب مع المرحلة، والحذر من إثارة ما يفسد ولا يصلح ويفرق ولا يجمع من مقالات أو تغريدات أو رسومات، باعث ذلك حسن التدين والحب والإخلاص والغيرة على الدين والوطن والأهل؛ حرصا على المصلحة العامة واجتماع الكلمة والالتفاف حول القيادة وإغاظة العدو المتربص، سائلا الله أن يحفظ العباد والبلاد ويعز الإسلام وأهله، ويرد كيد الكائدين في نحورهم. تقوى وعمل وأوصى د. ابن حميد في خطبة الجمعة أمس بالمسجد الحرام، المسلمين، بتقوى الله -عز وجل- في السر والعلن؛ ابتغاء مرضاته -سبحانه وتعالى- والبعد عن معصيته ونواهيه، والعمل على اتباع أوامره، فهي طريق النجاة، وقال: "إن اختلاف الناس ليس اختلاف تفاضل وتمايز بين أعراقها وقبائلها وطبقاتها، ولكنه اختلاف من أجل المنافع وتعدّد طرق المعرفة والثقافة والتسابق في الخيرات والمسارعة إلى المكرمات ومن أجل أن يتعارفوا ويتخذ بعضهم بعضا سُخريا، أما ميزان التفاضل فهو التقوى والعمل الصالح". تنوع اجتماعي وأوضح الدكتور ابن حميد أن المسلك الحكيم هو في التعامل مع ما قضته سنة الله من حقائق التنوع الاجتماعي والتفكير بطريقة منفتحة غير ضيقة؛ لأن الأُطر الضيقة لا تنتج إلا خيارات ضيقة، وفهم الآخر لا يلزم منه القناعة بما يقول، وإذا لم تكن مختلفا لما كان الآخر مختلفا، وإذا اتفق اثنان في كل شيء فلا حاجة لأحدهما؛ فالانسجام والتعايش ينطلق من الأخوة وصلاح النفس وسلامة الصدر والمساواة والتواصي بالصبر والحق والمرحمة، فالمساواة بين الناس ليس مساواة تماثل بل مساواة تكامل تنفي العصبية والحزبية وحمية الجاهلية ودعواها، وتؤكد السمع والطاعة ولزوم الجماعة، وعدم الشذوذ عنها أو الخروج عليها. مجتمع واحد وبين د. ابن حميد أن الانسجام والتعايش هو كذلك الاعتراف بحق العيش في مجتمع واحد وبلد واحد والناس يتعايشون بالدين والمروءة والحياة والرغبة والرهبة، كما أن الانسجام والتعايش ينشر الألفة والتعاون والترابط وينمّي روح العمل والإبداع ويحمي البلاد من الانحراف والأفكار المنحرفة والاتجاهات العدوانية، ويقلل من أثر الشائعات الموهّنة للعزائم والمفرقة للجماعة. وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام في خطبته، أن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- كانوا يرون الاجتماع من أعظم الخيرات وأكبر الصالحات، لذا تراهم قد ائتموا بكل من حقت له الإمامة والمسلمون وما امتنع قط أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- ولا من خيار التابعين من الصلاة خلف كل إمام صلى بهم حتى خلف الحجّاج بن يوسف وحبيش ابن دلجة ونجدة الحروري والمختار بن أبي عبيد، وكل متهم بالكفر، فالمسلمون يرون أن كل من صلى صلاتهم واستقبل قبلتهم وأكل ذبيحتهم فهو منهم والسرائر إلى الله والحساب على الله، فلا شق على القلوب ولا غل على سابق بالإيمان ولا تفريق بين المسلمين بالأسماء والألقاب، فالمسلمون يحرصون على هداية الخلق، ويسترون العيوب، ولا يتتبعون العورات، ولا يذكرون أخطاء أهل العلم إلا لبيان الحق وعلى سبيل الترجيح لا التجريح. رفق وانصاف وأكد د. ابن حميد أن الإسلام يسع أهله كلهم لسعته وسماحته، عاشوا في كنفه وتعايشوا على أرضه، القرون تلو القرون وعون الله لا يتنزل على المتعصبين والمتحزبين ولا ينصر الله أقواما متفرقين، مشيرا إلى أن الجفاء والتباعد النفسي والاجتماعي هو الذي يقضي على الوحدة وينبذ التعايش فالعاقل المنصف من اغتفر قليل خطأ أخيه في كثير صوابه فلا يبخس الناس حقوقهم ولا أشياءهم، بل يعاملهم بما يحب أن يعاملوه به، فالقول الحسن والتعامل الحسن لا يتوقف على دين أو مذهب بل هو حق لكل الناس والوسيلة في ذلك الرفق والانصاف والحب والابتسامة، وحسن الظن وطيب القلب والاحترام والتقدير. ولا تستطيع حماية نفسك ما لم تحمِ إخوانك فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه والحياة قائمة على الزوجية والثنائية وليس على الأحادية والفردية، وتسوية الناس بفكر واحد خلاف سنة الله، فالحوار هو للتعارف والتعايش والتفاهم ومزيد من الثقافة وليس للإلزام والإقناع. حكمة وموعظة وأكد د.ابن حميد أنه ينبغي التفريق بين التعايش والرد على المخالف، فالرد على المخالف باب واسع مفتوح يسلك فيه مسالك المصلحة والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن في بيان الحق، كما ينبغي التفريق بين المسالم والباغي، فالذي يبغي ويهدد السلم العام ويريد تفريق المسلمين ويعمل السيف على رقابهم فلا بد من إيقافه عند حده والضرب على يده كائنا من كان. توحيد الربوبية وفي المدينةالمنورة، تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم، عن العلم بالله -عز وجل- وبأنه أشرف العلوم، مبينا أن الحاجة إلى معرفة الله فوق كل الحاجات، وهي أصل الضرورات، وأن الفطرة هي محبة الله، قال جل شأنه: "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله"، وهي الحنيفية التي يولد عليها كل مولود، وأشار إلى أن شياطين الإنس والجن يسعون إلى حرف فطر الخلق، وقال فضيلته "إن المسلم مأمور بتعاهد فطرته لتعود المنحرفة إلى أصلها ويزداد الذين آمنوا إيماناً، موضحا أن الله -عز وجل- أقام الآيات دليلاً على ربوبيته، وأن الرسل بعثوا لتقرير الفطرة، وأن أعظم ما جاء به الرسل توحيد الربوبية فهو أصل من أصول الإيمان».