ناقش مجلس الشورى تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، فلم يجد فيه أكثر من تحقيق هدف "الحضور" في أذهان المسؤولين والمواطنين والمتعاملين مع الأجهزة الحكومية، بما يُشعرهم بجدية الدولة في مكافحة الفساد. تقرير نزاهة حَمَل دراسة أعدها معهد الإدارة، بالتعاون مع الهيئة، وأشارت إلى عدم وضوح الإجراءات التي يجب على الموظف اتخاذها؛ لتجنب المخالفات الإدارية والمالية في معظم الجهات الحكومية، لكن تقرير نزاهة لم يشر إلى ما قامت به هيئة مكافحة الفساد إزاء هذه النتائج. وقد لاحظ المجلس أيضاً في نقاشه للتقرير، تناقضاً فيه، من حيث التشديد على إنجاز الحضور في أذهان المسؤولين من جهة، والشكوى من عدم تفاعل الجهات الحكومية مع الهيئة من جهة أخرى. أثناء التجول في مباني بعض الجهات الحكومية، يمكن ملاحظة وجود كتيبات توزعها هيئة مكافحة الفساد، تحث على رفض الفساد باعتباره جريمة دينية وأخلاقية، وضرراً على المجتمع ككل، كما أن الهيئة تنشر إعلانات في الصحف بنفس هذه اللغة الوعظية، ومع التسليم بأن التوعية بأخطار الفساد ضرورية، إلا أن هذه ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تعتمدها هيئة مكافحة الفساد في التوعية بأخطاره وإشكالاته، إذ إن الوعظ الأخلاقي يمكن أن يقدمه أفراد أو جهات أخرى، أما الهيئة حين تريد أن تقوم بالتوعية، فعليها أن تورد أرقاماً وإحصاءات توضح الهدر في المال العام، وأثره على الدولة والمجتمع، وتوعِّي الموظفين والمسؤولين بخطورة ما يترتب على ارتكاب مخالفات مالية وإدارية، تدخل في خانة الفساد وإهدار المال العام. لكن مجلس الشورى لاحظ أيضاً خلو تقرير نزاهة من معلومات إحصائية دقيقة حول جرائم الفساد في المملكة، وهي المعلومات التي يفترض أن تكون متضمنة في تقارير الهيئة، وكذلك في مخاطبتها للمواطنين. المفترض أن تكون هيئة مكافحة الفساد جهازاً رقابياً يعمل على الحد من الفساد، وتحويل الفاسدين إلى المحاكمة، وهذه حاجة ملحة تفرضها الرغبة في ضبط المصروفات، وعدم السماح بهدر المال العام بتقديرٍ زائف لقيمة مشاريع تنموية معينة، ما يعني أن دور الهيئة هو الرقابة على المشاريع الحكومية، وعلى الجهات الحكومية وأدائها، ويفترض بهذه الرقابة، أن تقدم حالات واضحة للمحاسبة يسمع بها كل المواطنين، وأن تصنع قاعدة بيانات لملف الفساد في المملكة، يمكن أن تكون في صلب تقريرٍ تقدمه عن سير عملها. إذا كانت الهيئة تقوم بعمل جيد في الرقابة ومحاسبة الفاسدين، فإنها مقصرة في إظهار ذلك إعلامياً، وعلى مستوى تقاريرها، وإذا كانت الهيئة لا تقوم بعمل يتناسب مع المنتظر منها، فلا بد لها أن توضح أسباب ذلك، وتطلب الصلاحيات الكافية التي تُشعِر الجهات الحكومية جديتها. ليس المطلوب من نزاهة أن تقول لنا إن الفساد مشكلة بأسلوب وعظي، فالكل يعرف ذلك، وإنما المطلوب أن توضح حجم المشكلة وآثارها، بالأرقام والإحصاءات، وتمارس عملها الرقابي بشكل صارم وفعَّال.