نشرت مؤسسة "إيه تي كيرني" العالمية للاستشارات نتائج مؤشرها السنوي السابع لأكبر الوجهات العالمية "لخدمات التعهيد"، والتي شهدت اقبالاً متنامياً خلال السنوات الأخيرة. وتعتمد فكرة "التعهيد" على قيام الدول الغنية بنقل بعض أنشطتها التجارية للدول النامية للاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة وإدارة النشاط بهذه الدول، وتعد الدول المستقبلة للنشاط بمثابة "المتعهد" الذي "يتعهد" بتوفير العمالة والظروف الملائمة لنجاح النشاط، وهي نفس فكرة متعهد التوريدات أو الإنشاءات لكن على مستوى الدول. وتعقب المؤشر 55 دولة اعتماداً على ثلاثة معايير هي الجاذبية المالية ومناخ الأعمال ووفرة ومهارة عامليها، ثم تحديد الدول التي تقدم مستويات أكثر جودة لخدمات تكنولوجيا المعلومات والخدمات الصوتية وخدمات التعهيد لقطاع الأعمال. وبدأ التطور التكنولوجي يؤثر سلباً على قطاع التعهيد، حيث أصبحت الشركات تميل إلى استبدال البشر ب"الروبوتات" والبرمجيات لأداء أنشطتها المختلفة. هذه التقنيات الحديثة تنجز المهام المطلوبة أسرع بثلاثة أضعاف معدل الأداء البشري ودون أخطاء أو غياب عن العمل. ويوفر "الروبوت" ثلث تكاليف "العامل الأجنبي" الذي يمارس دوامه من دولة أخرى وخمس تكاليف فريق العمل المحلي الذي يمارس نشاطه في الدولة الأم، وبذلك فهو يقلص إجمالي التكاليف ب25 50%. كما ان القطاع المصرفي من أكثر المجالات المستفيدة من التقنيات الحديثة، على سبيل المثال أرجع "باركليز" الفضل لتلك التقنيات في توفير تكاليف 120 عاملاً بدوام كامل وخفض الديون المعدومة ب250 مليون دولار سنوياً، وكذلك قطاع الاتصالات، فقد أعلنت رائدة الاتصالات الأوروبية "تليفونيكا" ارتفاع عائداتها ب650% خلال ثلاث سنوات بفضل الاستثمار التقني، وتستخدم الشركة 150 جهاز "روبوت" لإدارة 15 عملية رئيسية وتنفيذ نصف مليون صفقة شهرياً. وما زالت دول آسيا والباسيفيك بلا منازع الوجهات الأكبر جذباً لخدمات التعهيد في العالم بفضل جاذبيتها المالية ووفرة ومهارة عمالتها، دول أمريكا اللاتينية تتميز بوفرة ومهارة العمالة، وأوروبا الشرقية تتميز بجودة مناخ الأعمال. وواصلت الهند تربعها على عرش القائمة لعام 2016، وتعتزم 5 شركات صينية كبرى تصنيع سماعات الهواتف وتأسيس مراكز بحثية لها في الهند التي يُتوقع أن تصبح ثاني أكبر مستخدم للسماعات في العالم، وترغب الشركات في الاستفادة من مهارات المهندسين الهنود لتطوير منتجاتها. ومؤخراً أعلنت "هواوي" الصينية رابع أكبر شركات الهواتف الذكية في العالم عزمها افتتاح مركز بحثي على مساحة 20 فداناً في الهند، ويتكلف 170 مليون دولار ويضم 5000 مهندس، والشركة لديها مركز آخر في "بنجالور" منذ عام 1999، ويضم حالياً 2700 موظف. وجاءت الصين في المركز الثاني بفضل تطورها التعليمي والثقافي وزيادة احتضانها لمعايير السوق الحر، ومن المتوقع أن يعزز تراجع العملة المحلية (اليوان) مقابل الدولار مؤخراً من جاذبيتها المالية، لكن هناك مخاوف من ضعف تفعيل قوانين حماية الملكية الفكرية وتلوث الهواء. وعربياً واصلت جمهورية مصر العربية صدارتها لمجال "التعهيد" على مستوى المنطقة، لكنها سجلت تراجعاً في مركزها العالمي على الرغم من ارتفاع عدد مواطنيها وتحسن مستواهم التعليمي، وذلك بسبب الاضطرابات السياسية التي تعاني منها. ورغم الاضطرابات ما زالت "مصر" وجهة مفضلة لصفقات التعهيد، ومن المتوقع أن تستعيد سابق عهدها قريباً مع تحسن الاستقرار السياسي، والقطاع ينمو بمعدل 7.5% سنوياً ويوفر 90 ألف وظيفة.