الأسعار المنهارة تقلب أوضاع شركات النحاس والألمنيوم رأساً على عقب. هذه أوقات صعبة لتكون في مجال السلع الأساسية. عملية البيع المكثف في سوق النفط التي بدأت في حزيران (يونيو) من عام 2014 امتدت لتشمل مجموعة من المواد الخام وبدأت تُشبه الانهيار الكامل. المستثمرون الذين يستجيبون لضعف الطلب الصيني ونهاية الأموال الرخيصة التي يوفّرها الاحتياطي الفدرالي يتسارعون لتصفية تعاملاتهم في شركات تقوم بإنتاج وتداول وشحن كل شيء من النفط إلى الذهب إلى النحاس إلى الألمنيوم. مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية الذي يتابع العوائد من 22 مادة من المواد الخام انخفض بنسبة 50 بالمائة منذ الارتفاع في عام 2011 ويتم تداوله بالقرب من أدنى مستوياته منذ عام 1999. من أصل 10 شركات تُعتبر الأسوأ أداءً في مؤشر ستاندرد أند بورز 500، ثمانية منها ذات صلة بالسلع الأساسية. يوم الإثنين، الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر)، كان صاخباً بشكل خاص. في غضون بضعة ساعات، ألكوا، الشركة الريادية الصناعية الموجودة منذ 127 عاماً وأكبر شركة لإنتاج الألمنيوم في الولاياتالمتحدة، أعلنت أنها سوف تنفصل إلى شركتين أصغر، في حين أن رويال داتش شل، واحدة من أبرز شركات إنتاج النفط في العالم، قالت: إنها سوف تتخلّى عن حملة الحفر التابعة لها في مياه منطقة القطب الشمالي في الولاياتالمتحدة بعد إنفاق 7 مليارات دولار. المذبحة بلغت أوجها عندما خسرت أسهم جلينكور - شركة السلع الأساسية القوية في سويسرا التي تُتاجر وتُنتج بعضا من المواد الخام الأكثر أهمية في العالم، بما في ذلك الزنك والنحاس - ما يُقارب ثُلث قيمتها. يقول إيد هيرز، العضو المُنتدب لشركة إنتاج النفط الصغيرة، هيلهاوس ريسورسيز ويُدرس اقتصاديات الطاقة في جامعة هيوستن: "المخاوف في السوق تتكثّف. يبدو أن الطلب المنخفض على جميع السلع الأساسية أرسل الجميع إلى شفير الهاوية". هذا قد يكون مجرد البداية. المُحللان جون لافورج ووارن بايز، من مجموعة نيد ديفيس للأبحاث، يقولان، إن السلع الأساسية هي في العام الرابع من "الدورة الكبيرة الهابطة" التي مدتها 20 عاماً. نظر المحللان إلى إخفاقات السلع الأساسية منذ القرن الثامن عشر ووجدا أنها عادة ما تكون مدفوعة بزخم السوق أكثر من كونها مدفوعة بمجرد أساسيات العرض والطلب. يقول لافورج: "في أسواق السلع الأساسية، ستحصل على الكثير من الإخفاقات، والشركات ستُغلق أبوابها. هذا يجب أن يحدث من أجل تخفيض العرض". الأنباء الجيدة: أن معظم الضرر يتم في الأعوام الستة الأولى. بطريقة ما، شركات إنتاج السلع الأساسية ببساطة تجني ما زرعته بأيديها. عشرة أعوام من الأسعار المرتفعة، المدفوعة من ارتفاع الطلب الصيني، أحدثت مليارات الدولارت من الاستثمارات الجديدة التي تهدف إلى زيادة الإنتاج. شركات تعدين النحاس وحدها زادت الإنفاق الرأسمالي السنوي المُركّب فيها لتوسيع العمليات بمقدار خمسة عشر ضعفاً، ليُصبح أكثر من 33 مليار دولار من عام 2002 حتى عام 2012، وذلك وفقاً لمجموعة سيتي. الآن، باعتبار أن جميع ذلك المعدن الجديد يتم إخراجه من الأرض، فإن الطلب عليه يتباطأ، مما يترك صناعات بأكملها غارقة في المواد الخام. ليس فقط أن الصين في سبيلها إلى تسجيل أسوأ نمو سنوي لها منذ 25 عاماً، لكن الطريقة التي يُخطط قادتها لتحويل الاقتصاد، من نمو ذي كثافة صناعية إلى نشاط موجّه نحو الاستهلاك، هي أيضاً مُزعجة بشكل خاص بالنسبة لشركات المعادن التي تزوّد مصانعها. البر الصيني الرئيسي لا يزال مستهلك المعادن الرائد في العالم، بالتالي فإنه حتى أدنى تراجع في الطلب سيؤدي إلى آثار جانبية تؤذي الآخرين. يقول تاي وونج، مدير تداول المنتجات السلعية في بي إم أو كابيتال ماركيتس: "عندما يُصاب الاقتصاد الصيني بالزكام، فإن المعادن الأساسية تُصاب بالالتهاب الرئوي". استهلكت الصين ما يُقارب نصف النحاس في العالم في عام 2014، وذلك وفقاً لجولدمان ساكس. يقول البنك، إن الطلب الصيني يُفترَض أن يبقى ثابتاً هذا العام. إذا كان الأمر كذلك، هذه ستكون المرة الأولى التي لا يرتفع فيها الطلب على النحاس في الصين منذ عام 1988، وذلك وفقاً لبنك جولدمان. حتى مع قيام شركات الإنتاج بتخفيض الإنتاج، إلا أن العالم سيكون عالقاً مع فائض يبلغ 485 ألف طن من النحاس، أكثر بنسبة 18% مقارنة مع العام الماضي. نتيجة لذلك، يتوقّع جولدمان أن تبلغ أسعار النحاس في عام 2015 ما يُقارب 5670 دولارا للطن، أي أقل بنسبة 17% مقارنة مع عام 2014. من أجل البرهان على مدى أهمية الصين إلى صناعة النحاس العالمية، يشير دين ديفيس، وهو محلل لدى بنك باركليز، إلى صناعة الإنشاءات في البلاد، التي تستهلك من النحاس (ما بين 3 ملايين إلى 4 ملايين طن سنويا) ما يعادل كامل اقتصادات كندا واليابان والمكسيك والولاياتالمتحدة مجتمعة. ويقول: "إنه أمر لا يصدق." وهذا يثير مشاكل لا يستهان بها لشركات التعدين في الوقت الذي تتراجع فيه سوق العقارات في الصين ويتباطأ الإنفاق على البنية التحتية. يلاحظ المراقبون أنه حين تكون الصين مدفوعة بالاستهلاك، فإنها ستكون بحاجة إلى الكثير من الطاقة والسلع ذات العلاقة بالمواد الغذائية، من أجل الوفاء بمتطلبات السكان الذين يحاولون رفع مستوى معيشتهم. لكن المعادن هي قصة مختلفة. وكما يقول ديفيس: "الاقتصاد الاستهلاكي هو أقل اعتمادا بكثير على المعادن من حيث حصة الفرد." وهذا كان له أثره على شركة جلينكور، التي ركبت طفرة السلع الأساسية أكثر من أي شركة أخرى، لكنها تتعرض الآن للضغط الهائل نتيجة الانهيار. منذ أبريل هبطت أسهم الشركة بنسبة 71%. وبدأ المتداولون في المشتقات بالمطالبة بدفعات أولى من أجل حماية أنفسهم ضد إعسار الشركة. وهذه هي أول مرة يحدث فيها ذلك منذ أن تراجعت أسواق الائتمان وأصيبت بالانقباض في عام 2009.