لن يحتل نافيندر سينغ سارو مرتبة أبدا بين أسوأ السجناء في سجن "واندسوورث". خان وليام جويس بريطانيا للنازيين. وحكم روني كراي أراضي العصابات في الجزء الشرقي من لندن. كما كان بروس رينولدز العقل المدبر وراء حادثة سرقة القطار الكبير. اليوم، يجلس ناف سارو في زنزانة أبعادها 3 أمتار و2متر في واندزوورث، واحد من أسوأ السجون في بريطانيا، متهما بجريمة من نوع مختلف تماما: المساعدة في محو أكثر من تريليون دولار من الأسواق المالية قبل خمس سنوات. حتى صباح أحد الأيام في أواخر شهر أبريل، تقريبا لم يسمع أي أحد في أسواق الاستثمار الكبيرة في المدينة باسم سارو. لكن بعد ذلك وصلت شرطة اسكوتلاند يارد. ما حدث بعد ذلك أصاب الجميع بالذهول. تم اعتقال سارو في منزل والديه المتواضع، وهو سكن في ضواحي المدينة، متهما بالمساعدة في التسبب بما يسمى بالانهيار الخاطف في عام 2010، عندما تهاوت سوق الأسهم في الولاياتالمتحدة في دقائق معدودة. وفي حين تعافت الأسعار تقريبا بنفس السرعة التي هبطت فيها، إلا أن هذه الأحداث تسببت بصدمة للمستثمرين. لم يتمكن أي أحد من تفسير ذلك. ادعت السلطات في النهاية أنه كان هنالك إجابة: تاجر نهاري مجيد يعيش مع والدته ووالده قرب مطار هيثرو.وينكر سارو، 36 عاما، جميع التهم الموجهة إليه، ويشكك الكثير من المراقبين بأنه هو، أو أي شخص آخر، قد تسبب بالانهيار الخاطف بشكل منفرد. بدلا من ذلك، يشيرون إلى حقيقة غير مريحة حول أسواق القرن الحادي والعشرين: أجهزة الكمبيوتر، وليس الناس، هي التي تحرك الأسعار إلى حد كبير لحظة بلحظة.وصاح سارو في المحكمة في شهر مايو، المرة الوحيدة التي تحدث فيها علنا منذ إلقاء القبض عليه: قائلا: "أنا لم أرتكب أي خطأ باستثناء أني كنتُ جيدا في عملي". ورغم كافة علامات الاستفهام المحيطة بهذه القضية، كانت أكبر علامة استفهام تدور حول سارو نفسه. ومع ذلك في عصر ما بعد مادوف، عندما اعترفت المصارف العملاقة بذنبها في الجنايات التي من شأنها أن تضع المذنبين العاديين خلف القضبان، نجد أن سارو يتحدى تقريبا كل شيء نتوقعه من المسؤولين الماليين. (لاحظ مثلا أن مادوف هو أكبر محتال مالي في هذا القرن، على الأقل حتى الآن، حيث إنه نصَبَ على كثير من الناس بمبالغ وصلت إلى 65 مليار دولار حسب بعض التقديرات، وكان في السابق رئيس مجلس إدارة بورصة ناسداك). وتزعم السلطات أن تداولات سارو الملتوية أكسبته عدة ملايين، لكن الزملاء يقولون إنه كان تقريبا مقتصدا إلى حد المرض. لقد عمل إلى حد كبير بشكل يتماشى مع الأسواق الأمريكية، التي مكنته من التنقل عبر لندن بين ساعات الذروة، التي تكون فيها أجور المواصلات في لندن رخيصة خارج ساعات الذروة. قد يشتري السندويشات بعد فترة ازدحام الظهيرة ليوفر نصف جنيه. وبسؤاله من قبل أحد زملائه عن سبب عدم شرائه سيارة فاخرة مثل بوجاتي، قال سارو إنه لا يعرف كيف يقود. وصل سارو إلى شركة فوتيكس كمتدرب دراسات عليا في عام 2003 بعد دراسته علوم الحاسوب في جامعة برونيل، غير البعيدة عن منزله في هاونسلو. تدفع جامعة فوتيكس للمتدربين مبالغ كبيرة تصل إلى مليون يورو (1.2 مليون دولار) مقابل الحصول على نسبة من الأرباح، وقبل مضي وقت طويل، كان سارو موضوع حديث قاعات التداول. في حين كان المتداولون الآخرون يجهَدون لتحصيل مبلغ 500 جنيه استرليني (765 دولارا) في الأسبوع، كان هو يحصل على نصف مليون جنيه استرليني. لقد نأى بنفسه بعيدا عن الآخرين. وفي نهاية اليوم، قد يحاول زملاؤه اختلاس النظر على السجل الحاسوبي لأرباح وخسائر الجميع. كان سارو تقريبا دائما في الصدارة. وكانت عائداته الكبيرة تعني الدخول في مخاطر كبيرة. لكن في الأعمال التجارية التي يكون فيها المال هو المقياس النهائي، وحيث يعني النجاح تناول المأكولات والمشروبات الفاخرة، برز سارو لسبب آخر: لا يبدو أنه قد أنفق الكثير من المال على الإطلاق. يقول باولو روسي، مؤسس شركة فوتكس، إن سارو كان مقتصدا جدا بحيث كان الوضع تقريبا يعتبر نوعا من الشذوذ. لكن كيف كان قادرا على كسب الكثير من المال؟ تركز ادعاءات الشرطة على ما يعرف بالإغراق الوهمي، وهو أسلوب غير قانوني ينطوي على إغراق السوق بطلبيات شراء أو بيع وهمية مزيفة لتحويل الأسعار في اتجاه معين. الفكرة هي في خداع غيرهم من التجار، سواء كانوا من البشر أو أجهزة الكمبيوتر، لتمكين الجاني من الشراء بسعر منخفض أو البيع بسعر مرتفع. ويقول كثير من المتداولين إنه في حين أن الإغراق الوهمي مخالف للقانون، إلا أنه منتشر بصورة واسعة في السوق ذات المستوى التكنولوجي المرتفع هذه الأيام. تقول السلطات إن سارو طوَر خوارزميات خاصة بجهازه في شهر يونيو من عام 2009 لتغيير طريقة فهم أو تصور طلباته من قبل أجهزة الكمبيوتر الأخرى. وفي اليوم الذي حصل فيه الانهيار الخاطف، وهو السادس من مايو لعام 2010، تلاشى أكثر من تريليون دولار من الأسواق خلال نصف ساعة. حسب الادعاءات فإن سارو كسب حوالي 900 ألف دولار باستخدام خوارزمية أعطت انطباعا مضللا عن حجم طلبات البيع. وفي أعقاب الحادث، وقع الاشتباه فورا على شركات التداول عالية التردد، التي أصبح تداولها فائق السرعة مهيمنا على السوق. لكنه بينما استخدم سارو خوارزميات التداول - ما سماه زميل سابق بالجداول الإلكترونية الفائقة - كانت أساليبه بعيدة كل البعد عن تلك التي استخدمت من قبل شركات التداولات السريعة للغاية. وبالتالي تم اعتقال سارو في نهاية المطاف. بينما يجلس في السجن، لا تزال الأسئلة الملحة من دون إجابة. أولا: هل يمكن لمتداول واحد حقا تحمل بعض المسؤولية عن الانهيار الخاطف، واحدة من أكثر اللحظات المروعة في تاريخ وول ستريت؟ ثانيا، وربما الأهم: إذا كان ذلك، ألا يدل هذا على أن هناك مشكلة أكبر قابعة في مكان ما؟. ويقول بول روتر، تاجر يعرف باستراتيجيته للتداول والتي تتضمن نشر ومن ثم إلغاء الأوامر الكبيرة: "في الأيام الخوالي، كانت معركة بين المتداولين. الآن إنها معركة الآلات وربما بعض البشر".