الاهتمام بتحقيق منفذ قوي على الصناعات المعرفية يتجاوز عدة عقود، منها على سبيل المثال لا الحصر، اهتمام في منتصف التسعينيات الميلادية للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وعقب ذلك بسنوات طويلة مبادرة من مجموعة الأغر للتحول لمجتمع معرفي، التي حظيت باهتمام من المجلس الاقتصادي الأعلى، وتمخضت عن اجتماعات مع الجهات الرسمية المعنية، أفرزت عدداً من المبادرات والبرامج، وحالياً نجد أن الخطة الخمسية العاشرة قد أعطت هذا الأمر زخماً. والصناعات المعرفية ليست اختراعاً جديداً، فكل الصناعات معرفية رغم تفاوت المحتوى المعرفي من حرفة ومهنة وصناعة وأخرى. وبصورة أكثر تقنيناً فالصناعات المعرفية هي التي تكون المعرفة ورأس المال البشري أهم مدخلاتها. وهنا نجد التلازم بين الصناعات المعرفية والخبرة والمهنة والتمكن المهني. واقتصادياً فقد تطور تعريف الصناعات المعرفية مع مرور الوقت، إذ حدثت قفزة المعلوماتية في الثمانينيات، وأخذ مصطلح صناعات معرفية يستخدم على نطاق واسع في التسعينيات، لكنه كان يعكس فهماً مبسطاً تقليدياً مستخرجاً من توصيف السلع مما هو متاح ضمن قوائم "النظام المنسق" (HS)، ومع ذلك فقد قدرت آنئذ مساهمة الصناعات المعرفية بنحو 50 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالطبع تتفاوت الاقتصادات المتقدمة في اهتماماتها بالصناعات المعرفية، من حيث التوجه للأنشطة الصناعية التحويلية ذات المحتوى المعرفي العالي، أم لأنشطة الخدمات التي تتطلب مستوى رفيعا من المهارة والخبرة الاحترافية البشرية. وما استجد بعد التسعينيات، أن ما كان يسمى تقليدياً الثورة المعلوماتية (وأحياناً توجساً بالغزو الفضائي) أفرزت واقعاً جديداً تجاوز قوائم "النظام المنسق" الجمركية، إلى توظيف الانفجار المعلوماتي الكبير توظيفاً اقتصادياً يولدّ فرص استثمار وفرص عمل، ارتكازاً على أن حجم المعرفة يتنامى بوتيرة لم تشهدها البشرية من قبل؛ من حيث التوليد والاتاحة والاستخدام، ما دفع عدداً من الاقتصاديين للحديث عن اقتصاد جديد يتشكل، جديدٌ من حيث الأنشطة، التي لم تك معروفة من قبل، والتي تتصل بفهم جديد للأثر الاقتصادي للمعرفة. لكن ما هو الأثر الاقتصادي للمعرفة؟ وما أهميته حتى يحرك مياه المفاهيم الاقتصادية الساكنة منذ آدم سميث، فيما عدا أحجارا تلقى بين الفينة والفينة؟! النقطة الارتكازية تكمن في أن "المعرفة" غدت الثروة الأهم للأمم، فالأمة التي تمتلك المعارف التي يمكن توظيفها لتعزيز وضع اقتصادها التنافسي في عصر العولمة، تكون لها سطوة اقتصادية، انطلاقاً من أن حاجة الدول الأخرى لها ستكون ماسة بقدر حاجتهم لتلك المعرفة؛ خذ مثلاً حاجة العالم لمايكروسوفت! لا شك في أن هذه العلامة التجارية بما تحويه من معرفة مختزنة في حقوق الملكية وما تبدعه تلك الشركة بين الحين والآخر، عزز سطوة الولاياتالمتحدة اقتصادياً، وكذلك الأمر لكل منتج "معرفي" سواء أكان سلعا منظورة أو خدمات. لكن ما هو "الرأسمال المعرفي؟" قبل الإجابة عن السؤال، لابد من بيان أن التحدي أمام الدول يحقق اقتصادها نموا متواصلا، واهتمام الدول بالصناعات المعرفية نابع من تمكينها من تحقيق هذا الهدف. تحديداً، وانطلاقاً من أن الصناعات المعرفية، دائمة التحدد بطبيعتها، ما يعني بقاءها فيما يعرف بمرحلة النمو، بما يحقق للشركات المنتجة معدلات عالية من الربحية وتفوقا واضحا على منافسيها، فإن أخفقت فتدهورها سريع، كما لاحظنا جميعاً ما الذي حدث لشركة نوكيا عندما تخلفت عن ركب الابداع. أما النمو في الاقتصادات المتقدمة فيعتمد بصورة متعاظمة على الاستثمار في «الرأسمال المعرفي» الذي يُمكن الحكومات والشركات للارتقاء بمزاياها النسبية لتستغل من قبل نشطة عالية القيمة. والرأسمال المعرفي عبارة عن الأصول غير الملموسة بما في ذلك: المعلومات الرقمية - من برمجيات وبيانات، المُلكية الإبداعية - براءات الاختراع وحقوق النشر والعلامات التجارية والتصاميم، قدرات خاصة بالمؤسسة - قيمة العلامة التجارية (brand equity) والتدريب والرأسمال المؤسسي. * متخصص في المعلوماتية والإنتاج