ولد الشيخ عبدالعزيز الداوود في محافظة حريملاء في عام 1350ه، ويعود نسبه إلى بني شريف من قحطان، وموطنه الأصلي من بلاد قحطان (الحرجة) جنوب المملكة، نشأ في بيت علم وصلاح واستقامة، وفي سن مبكرة بدأ دراسة القرآن الكريم على يد عمه حمد بن عبدالرحمن بن داود، فدرس عليه بعضًا من القرآن الكريم في المدرسة المعروفة ب(القيصرية) غرب جامع الديرة بحريملاء، ودرس عنده -رحمه الله- حتى سورة المعارج، ولكن تعليمه على يديه لم يطل حيث إنه توفي رحمه الله، وبعد وفاته قرأ على الأستاذ الجليل محمد بن عبدالله الحرقان، وابتدأ الدراسة عنده من أول ما يبدأ الطالب المستجد بالهجاء، وكان يُعرف في ذلك الوقت بالإعراب، حيث يدرس الطالب الحروف (أ، ب، ت ....الخ) وكان هذا هو الأسلوب المتبع في التعلم آنذاك، وبعد أن أنهى الإعراب بكل مراحله، أكمل دراسة القرآن على يديه من حيث توقف عند عمه حمد رحمه الله، إلى أن أتمَ دراسة القرآن الكريم كاملاً حفظًا وتلاوة، وبعد انتهائه من دراسة القرآن بدأ في القراءة على الشيخ عبدالرحمن بن سعد آل حسن، الذي عيّن قاضيًا في حريملاء في تلك الأيام، فقرأ عليه في العقيدة والتفسير والحديث وغيرها من العلوم. أعباء العمل قبل تخرجه في كلية الشريعة بسنتين عين مدرسًا في معهد شقراء العلمي وذلك في تاريخ 4/5/ 1377ه، حيث درّسَ فيه لمدة عامين، وبعد أن تخرج في كلية الشريعة بتاريخ3/5/1379ه عرض عليه سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف -رحمه الله- أن يعمل قاضيًا في محكمة الرياض الكبرى وامتنع عن ذلك وأبدى أعذارًا كثيرة، إلا أنها باءت بالفشل، وقال له رحمه الله: «لابد من العمل في المحكمة نظرًا لحاجة المحكمة إليك، والقضاة عددهم قليل في ذلك الوقت» وبعد مضي زمن طويل استجاب إلى رغبة الشيخ في العمل بالمحكمة قاضيًا وذلك بتاريخ6/6/1379ه، وذلك بناءً على وعد منه -رحمه الله- بنقله من المحكمة متى تيسر بديل، ومكث ثلاث سنوات وأكثر يعمل في المحكمة مع مراجعة سماحة الشيخ -رحمه الله- كلما سنحت فرصة، ثم تم نقله بعد ذلك إلى كلية الشريعة بالرياض مؤقتًا، وذلك بتاريخ1/9/1382ه، ومكث فيها مدرسًا ما يقرب 29 سنة، درّس فيها الفقه والفرائض وغيرها، وحصل فيها على درجة الماجستير في الفقه في تاريخ13/7/1397ه وكان عنوان بحثه: مفسدات الصيام وأحكام القضاء والكفارة، بإشراف الدكتور شحاتة محمد شحاتة. نشاطه في الحي فيما عدا التدريس النظامي في كلية الشريعة والذي كان بين الفقه والفرائض كانت له دروس في مسجد الحي يحضرها طلاب من أماكن شتى، فلم يبخل الشيخ بعلمه في مجال إلقاء الدروس بين الناس، ولا يعتذر عنها إلا في الملمَّات،، وكانتْ دروسُه إما بعد العصر، أو بعد المغرب، أو بعد العشاء حسب ما يناسب كلَّ مجموعة من الطلاب، وقد شَمِلت دروسُه كتبَ التفسير، والتوحيد، والفقه، والحديث، وكان أسلوب الشيخ في هذه الدروس العامة يسيرًا واضحًا، يعتمد على مراعاة مستوى عقول الحاضرين لتلك الدروس، كما كان يُشرِك الطلاب معه في الشرح والتوضيح؛ حتى يسهل عليهم استيعاب المراد، كما كانتْ له دروس في مكتبه في الإفتاء لِمَن رَغِب من الطلاب، وخاصة في بداية الدوام وقبل أن يشتد العمل؛ أي: من الساعة الثامنة وحتى التاسعة تقريبًا. عبادة الذكر والتلاوة كان عابدا مكثرا من التطوع، وقد كان صاحب قيام ليل لا يضيعه إلا لمرض، وإن فاته يوما من الأيام لأي عارض قضاه من النهار. يستيقظ قبل الفجر بساعة ونصف الساعة يقضيها في صلاة وتلاوة حتى الفجر ثم يبقى في مصلاه بعد الفجر في ذكر وتلاوة حتى تشرق الشمس وترتفع ثم يصلي ما تيسر وغالبا يصلي ثماني ركعات، وكان يحرص على صيام أيام البيض من كل شهر. وكان مكثرا من تلاوة القرآن الكريم إذ أنه كان يختم كل ثلاثة أيام وفي رمضان كان يختم كل يومين، ولأجل ذلك كان يخصص أوقاتا للتلاوة كما كان يستغل كل وقت انتظار وفراغ، كما كان أسيفا خاشعا أثناء تلاوته للقرآن الكريم. ولحبه للقرآن وأهله عمل نائبا لرئيس مجلس إدارة المدارس الصالحية لتحفيظ القرآن الكريم بحريملاء منذ تأسيسها 1402ه وحتى عام 1431ه. كما كانت له مشاركة في أعمال التوعية الإسلامية بالحج من عام 1403 وحتى عام 1423، وكانت أبرز مشاركاته فيها التدريس في الحرم، والتي كانت دروسه فيه تدور حول العقيدة والأخلاق والعبادات وخاصة أعمال الحج، وكانت مدة مشاركته في الحج شهرا كاملا من 20/ذي القعدة وحتى 20/ ذي الحجة. ومكَث -حفظه الله- ثلاث سنوات وأكثر يعمل في المحكمة مع مراجعةِ سماحة الشيخ -رحمه الله - كلما سنحتْ فرصة، ثم طلب نقله بعد ذلك إلى كلية الشريعة بالرياض مؤقتًا، وذلك في تاريخ 1/ 9/ 1382ه؛ حيث مكث فيها مدرسًا ما يقرب 29 سنة، درَّس فيها الفقه والفرائض والمعاملات وغيرها لعديد من أجيال الطلاب، الذين تتلمذوا على يديه، وصاروا دعاة وعلماء يشار إليهم بالبنان بعد ذلك. تقاعده بعد سنوات في عام 1410ه تمت إحالته إلى التقاعد بعد بلوغه السن النظامي (60) سنة، وبعد ذلك عرض عليه سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- العمل في الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء للعمل فيها كعضو للإفتاء، وتوقف عن الإجابة وبعد شهر من المشاورة أجابه للعمل في الإفتاء، ورفع الشيخ -رحمه الله- للمقام السامي بطلب الموافقة على التعاقد معه للعمل عضوًا في الإفتاء، وتمت موافقة المقام السامي الكريم وصدر الأمر رقم 551/8 في تاريخ25/8/1411ه بتعيينه عضوًا للإفتاء، واستمر في ذلك إلى أن رفع بطلب إعفائه نظرًا لظروفه الصحيّة إلى سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وذلك في تاريخ3/5/1431ه. ذكروا عنه وذكر تلميذه د. محمد الخضيري أن الشيخ #عبدالعزيز_الداوود كان آية في كثرة التلاوة، فكنا نراه كثيرا في غرفة المدرسين بكلية الشريعة منعزلا يتلو القرآن بين المحاضرات رحمه الله. ويصف الشيخ عبدالوهاب بن ناصر الطريري ذكرى تدريسه له فيقول: إن الذي تعلَّمتُه من شيخنا عبدالعزيز الداود ليس العلمَ؛ وإنما الذي تعلَّمتُه منه ثمرةَ العلم، وهذا يذكرني بكلمة الإمام أحمد بن حنبل عندما قيل له: إن معروفًا الكرخيَّ ليس كثير العلم، فقال الإمام أحمد كلمة نورانية عجيبة، قال: وهل يراد العلم إلا لحال معروف؟ وهل يتعلَّم الناس العلم إلا ليصيروا إلى هذه الحال؟ هذا ما تعلمناه من الشيخ عبدالعزيز الداود، هذه المعاني العظيمة. وأردف الطريري قائلاً : «دخل علينا ونحن في السنة الرابعة من كلية الشريعة، وقد مرَّت علينا أربع سنوات في تلك الكلية، مرَّ علينا فيها أساتذة كُثُر، وبالتالي ارتفع معيارُنا في الرضا بالمدرِّس؛ حيث لم يكن أي «مدرس» يملأ عيوننا، لم يعد أي شيخ «يقنعنا»، فلما دخل، شعرتُ بشعور عجيب غريب لرؤيته، شدَّتني فيه أشياء مؤثِّرة، لم أزل إلى الآن أجدِّد في نفسي هذا الأثر، دخل الفصل ليس معه من نور البصر إلا بصيص ضئيل في إحدى عينيه، ولكنه كان مستنير البصيرة، وأولُ شيء شدَّني حينما دخل هذه السكينةُ النفسية، والنفسُ الرَّضِيَّة، والطمأنينة، واللهج بالذكر الذي لا ينقطع، يدخلُ الفصل فيجلس فينتظر الطالَب الذي يقرأ قائمة أسماء الطلاب ويقيِّد الغائبين، هذه اللحظات التي كانتْ تُقرأ فيها أسماء الطلاب كنتُ أنا أنظر إليه وأردِّده بصري، كنتُ ألاحظ أنه لا تَفلِتُ منه ثانية واحدة من دون اللهج بذكر الله، من أول ما يجلس يستمر في اللهج بصوت خفي: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله»، كان -رحمه الله- يسبِّح ويذكر الله بتأله ملحوظ، لا عادة اعتادها، بشكلٍ يُورِث الناظر إليه خشيةً، عندما رأيتُه تذكَّرت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي قال فيه: ((ألا أُخبِرُكم بخيرِ الناسِ؟))، قالوا: بلى يا رسول الله؟ قال: (الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله)، وأشهد باللهِ أن رؤيته كانتْ تذكِّرنا بالله» د. عبدالوهاب الطريري د. محمد الخضيري