أكد الشيخ مشبب بن فهد بن فردوس العاصمي أن الخطباء أنفسهم تسببوا في أن يفقد الإمام مكانته، مشيرا الى أنه يرى أن بعضهم غير مؤهل للخطابة، وهؤلاء إما أنهم لا يحضرون خطبهم بشكل جيد متعوب عليه، أو أنهم يختارون موضوعات بعيدة عن اهتمامات الناس، وإذا اختار الخطيب موضوعا مناسبا، قد لا يلقيه على الناس بشكل جيد ومؤثر، مما يفقده أهميته. وقال العاصمي: إنه لا يصلح أن يكون كل إنسان داعية، فهناك أوصاف معينة يجب أن تتوافر في الداعية الناجح الذي يمتهن هذه المهنة، والتخصص في الداعية، مطلب مهم، إذ يجب أن يعلم الداعية طرق البحث العلمي، وطرق الإلقاء وطرق التعامل مع جميع الناس بجميع أشكالهم وفئاتهم وأنماطهم. وأضاف: إنه وجد سعادته ونفسه في مجال الدعوة، حيث شعر أن له فوائد جمة في المجتمع، يضاف إلى ذلك أن الشيخ الزيدان حبب إليهم طريق الدعوة، وأرشدهم إلى طرقها ووسائلها الناجعة، مما سهل عليهم الكثير من الأمور، فإلى الحوار: ما الذي نقرأه في مسيرتك العملية؟ وما أهم المحطات التي مررت بها في مشوارك الدعوي؟ عرفت حلاوة الاستقامة في سن مبكرة من حياتي، وعاصرت عددا من الدعاة المعروفين، وتأثرت بهم وأثروا فيّ، وفي البدء كنت أعيش في مدينة الخرج، وانتقلت منها إلى مدينة الدمام، وقررت في وقت مبكر جدا أن أسلك طريق الدعوة إلى الله، وكنت أصلي بالناس في الصف الأول الثانوي، وتعرفت على الشيخ حمد الزيدان الذي كان له تأثير كبير في تشكيل مسيرتي في العمل الدعوي، وتواصل اهتمامي مع الشيخ حمد طيلة المرحلة الثانوية، وتحديداً حتى العام 1369ه، الذي انتقلت فيه للمرحلة الجامعية، حيث التحقت بكلية أصول الدين، وكانت هذه الكلية خطوة مهمة في حياتي الدعوية، وتعلمت في الكلية طرق الدعوة إلى الله، بعدها انتقلت إلى حفر الباطن، التي استمريت أمارس فيها الدعوة إلى الله. وما هي الدوافع التي جعلتك تختار طريق الدعوة إلى الله دون غيره من المجالات؟ هذا الاختيار هو توفيق من الله سبحانه وتعالى، كما أنني وجدت سعادتي ونفسي في هذا المجال، الذي شعرت أن له فوائد جمة في المجتمع، يضاف إلى ذلك أن الشيخ الزيدان حبب إلينا طريق الدعوة، وأرشدنا إلى طرقها ووسائلها الناجعة، مما سهل علينا الكثير من الأمور، كما قلت لك إنني في المرحلة الثانوية خضت طريق الدعوة وتعمقت فيه، ومن هنا كان حبي وتعلقي بهذا المجال دون غيره، ولذلك قررت أن ألتحق بكلية أصول الدين عن اقتناع تام بأن هذا المجال سوف يحقق لي ما أحلم به وأتمناه، علما بأنني التحقت في البداية بكلية الهندسة في الدمام، ولكنني لم أكمل فيها، والحمد الله أن الله وجهني إلى كلية أصول الدين. من هم الشيوخ الذين تتلمذت على أياديهم وتأثرت بهم وتنوي أن تسلك طريقهم؟ كما ذكرت لك سابقاً، فقد تأثرت كثيراً بالشيخ حمد الزيدان، الذي وجهني واستفدت منه ومن علمه الغزير، وعندما انتقلت إلى المنطقة الشرقية، فلم أجد فيها شيوخا معروفين أو مؤثرين على الساحة الدعوية، وعند انتقالي إلى مدينة الرياض، كان هناك عدد كبير من الشيوخ المعروفين الذين كان لهم تأثير علي وعلى غيري من الدعاة، أمثال ابن باز، والشيخ ابن عثيمين وغيرهما، وحقيقية الأمر، لم يكن هناك تأثير بشيخ بعينه، حيث عمدت أن أستفيد منهم جميعا، بحضور محاضراتهم ودروسهم في المساجد. كيف ترى التعليم في الكليات الدينية حاليا؟ وهل هذا التعليم قادر على تخريج أجيال من الدعاة القادرين على القيام بدورهم كما ينبغي؟ التعليم الجامعي في الكليات الدينية حاليا أو في السابق، ليس قادرا على تخريج الداعية المؤهل للقيام بدوره المأمول منه، ويرجع هذا الأمر إلى أن أكثر الدارسين في هذه الكليات يبحثون عن النجاح في كلياتهم، وليس التفوق والتمكن من العلم والتزود به، أضف إلى ذلك أن الدارسين يعتمدون على المناهج المقررة فقط، ولا يميلون إلى القراءة العامة والتثقيف في العلوم المختلفة، كما أن بعض أعضاء هيئة التدريس لا يصلحون أن يكونوا دعاة، ولا يملكون القدرة على تخريج دعاة ناجحين، يضاف إلى هذا وذاك أن عنصر البحث في التعليم الجامعي مفقود، وباتت الدراسة الجامعية تعتمد على التلقين والحفظ فقط، وهي طريقة لا تثمر عن نابغين في العلوم الشرعية، ولذكر الحقيقة أؤكد أن مجال البحث في السابق كان أفضل منه حالياً، لوجود كوكبة من الشيوخ والدعاة الذين أثروا هذا الجانب في الكليات، وهذا ما نفتقده حالياً. هل تؤمن بالتخصص في مجال الدعوة أم على الداعية أن يكون ملما بجميع العلوم الشرعية؟ ليس كل إنسان يصلح أن يكون داعية، فهناك أوصاف معينة يجب أن تتوافر في الداعية الناجح الذي يمتهن هذه المهنة، والتخصص في الداعية مطلب مهم، إذ يجب أن يعلم الداعية طرق البحث العلمي، وطرق الإلقاء وطرق التعامل مع جميع الناس بجميع أشكالهم وفئاتهم وأنماطهم، والنقطة الأخيرة لها علاقة بعلم النفس، وهذا يجعلنا نشدد على أهمية التخصص في الداعية، لضمان خبرته وقدرته على القيام بأمر الدعوة. في السابق كان للإمام أو الخطيب مكانته الاجتماعية، التي تجعله مؤثرا في الناس، ولكن حالياً لم تعد له هذه المكانة.. ترى من أفقد الإمام هذه المكانة؟ يرجع السبب في ذلك إلى الخطباء أنفسهم، الذين أرى أن بعضهم غير مؤهل للخطابة، فهؤلاء لا يحضرون خطبهم بشكل جيد متعوب عليه، أو أنهم يختارون موضوعات بعيدة عن اهتمامات الناس، وإذا أختار الخطيب موضوعا مناسبا، قد لا يلقيه على الناس بشكل جيد ومؤثر، مما يفقده أهميته، أضف إلى ذلك أن وسائل التقنية الحديثة أفقدت الخطيب أهميته، حيث كان هذا الخطيب في السابق هو الشخص المؤهل الذي يمتلك المعلومة الدينية، ويلقيها على الناس، ليستفيدوا منها، أما الآن فوسائل التقنية الحديثة وفرت المعلومة الدينية في لمح البصر، وأفسددت على الخطيب خطبته ودروسه، وعلى الخطباء أن يضعوا هذا في الاعتبار، وأن يختصروا أوقات خطبهم، وأن يركزوا على الأشياء الاجتماعية المهمة، وأن يبذلوا جهدهم في لفت نظر الناس وجذبهم للاستماع للخطبة. ما هي مواصفات الداعية الجيد القادر على القيام بمهام الدعوة كما ينبغي؟ هناك معايير معينة للخطيب الناجح، من أهمها قوة الصوت، وأن يكون صاحب علم غزير، وأن يكون سريع البديهة، وقوة الصوت، يضاف إلى ذلك أن يكون ملما بالموضوع الذي يتحدث فيه، ويكون مؤهلا للإجابة عن أي سؤال فيه، ولديه قدرة على الإلقاء، وجذب الناس. كيف تقيم أداء الدعاة في المملكة حالياً مقارنة بما كانوا عليه قبل 20 سنة؟ الدعاة في السابق كانوا قليلين ومحصورين في أماكن معينة، أما الآن فالدعاة كثيرون ومنتشرون في أماكن كثيرة، كما أن وسائل الدعوة حاليا كثرت وتنوعت، مقارنة بعدد الوسائل في السابق، والدعاة حاليا ليسوا على القدر الكافي من الإجادة والكفاءة، فهم قلة في المنطقة الشرقية، ولكن إذا أردنا أن نقيم الدعوة في المملكة العربية السعودية حالياً، فنؤكد أنها قفزت قفزة كبيرة من حيث الوسائل المستخدمة، ومن حيث الوسائل والأدوات فقد كانت هذه الوسائل في السابق محدودة، أما الآن فهي متنوعة ومتعددة، مثل مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. يقع الشباب في الوقت الحالي فريسة لعدد من المغريات والمؤثرات التي تشكل هويتهم مثل الانترنت، والتغريب والاختراق الثقافي.. هل ترى أن دعاة اليوم قادرون على التصدي لهذه المغريات وتوعية الشباب بما يلزم؟ أكون صادقا مع نفسي ومعكم إذا أكدت أن دعاة اليوم غير قادرين على التصدي لهذه المغريات على كثرتها وتنوعها، فدعاة اليوم عندهم وعي بالمغريات، ولكن لا أعتقد أنهم مسلحون للتصدي لهذه المغريات، ومواكبة العصر بكل جديدة من وسائل التقنية، ففي السابق، كانت مصادر المعرفة تكمن في البيت والمدرسة والمسجد، أما الآن فمصادر المعرفة تتنوع بين الجوال، والانترنت، والبلاك بيري والواتساب وغيرها. هل الساحة فيها دعاة دون المستوى المطلوب وإذا وجدوا فكم نسبتهم؟ نعم الساحة فيها دعاة دون المستوى، ولكنهم قلة، وأعتقد أن تربية الداعية، ونشأته الأولى تحدد وتشكل طريقة أدائه، فإذا نشأ في بيئة عنف كانت دعوته عنيفة، ومنفرة في نفس الوقت، وإذا نشأ في بيئة معتدلة، كانت دعوته كذلك، وكان تأثيره في الناس كبيرا. كيف ترى اعتماد بعض الخطباء على وسائل التقنية الحديثة في التحضير للخطبة؟ أرى أن الخطباء الذين لا يمكنهم التعامل مع وسائل التقينة بشكل جيد، عليهم أن ينسحبوا من الساحة؛ لأنهم بهذا الجهل بوسائل التقنية أعتبرهم أميين، فالخطيب عليه أن يتابع أخبار المجتمع من حوله، وأن يكون ملما بما يحدث فيه، حتى تواكب خطبته احتياجات الناس واهتماماتهم، كما أن وسائل التقنية تمكنه من الاطلاع على خطب الدعاة الآخرين، والاستفادة منهم ومن خبراتهم، ففي شبكة الانترنت، توجد آلاف الخطب لأشهر الدعاة، بخلاف الأحاديث النبوية، وتفاسير القرآن الكريم، وتساعد محركات البحث على الوصول للمعلومة المطلوبة في أسرع وقت، ومن هنا يجب أن يواكب الدعاة أساليب الدعوة الحديثة، وأن يستغلوا هذه الوسائل في نشر الدعوة والوصول إلى الفئات المستهدفة، ومن هنا يمكنني أن أؤكد أن الدعوة الآن تعيش أوج قوتها؛ بسبب استخدام وسائل الدعوة المتعددة. ننتقل الآن إلى المراكز الصيفية في المملكة وهل تؤدي دورها الدعوي أم لا ولماذا؟ المراكز الصيفية الآن ليست كالسابق، فأداؤها ضعف وتراجع، ويكفي أن أؤكد على ذلك بأن أكثر الدعاة شهرة في السابق خرجوا من المراكز الصيفية التي أصقلت مواهبهم وعززت مكانتهم في المجتمع، فيما لا تعمل المراكز الصيفية في الوقت الحالي على هذا المبدأ، يضاف إلى ذلك أن الشباب سابقا كانوا في قمة سعادتهم عندما ينضمون إلى المراكز الصيفية، ويسعون إلى ذلك، أما لآن، فوسائل التقنية الحديثة مثل الجوال وأجهزة الكمبيوتر أشغلتهم عن هذا الأمر، ولعل هذا الأمر يجعلنا نهتم كثيرا بمراكز الشباب، وما تقدمه للشباب، شريطة أن تكون هذه البرامج جذابة ومفيدة وفيها ما يلفت نظر الشباب. كيف يختار الشباب مشروعه الدعوي؟ مطلوب من الشاب الداعية قبل أن يختار مشروعه الدعوي، أن يستشير الدعاة من أصحاب الخبرة، وأن يستفيد من آرائهم واقتراحاتهم، وإذا ثبت على موضوع بذاته، فيمكن أن يستعين بمجموعة من الشباب الصالحين ليساعدوه في مشروعه، والأهم من ذلك أن يعي الشاب قدراته وإمكاناته الشخصية، ويختار المشروع المناسب له. هل يعيق الزواج العمل الدعوي لدى الداعية؟ وهل يمكن للداعية أن يوزع جهده وتفكيره في أكثر من عمل دعوي في نفس الوقت؟ الزواج قد يكون عائقا أمام تطبيق العمل الدعوي؛ لأنه مسؤولية كبيرة، وقد ينشغل الداعية بأمور الزواج خاصة في البداية، مما يؤثر على عمله الدعوي، وأحيانا تكون الزوجة غير صالحة، فتضعف من عزيمة زوجها في الدعوة إلى الله، وقد تغير وجهته إلى وجهة أخرى غير الدعوة، وفيما يخص الشق الثاني من سؤالك، فأرى أن التخصص في الدعوة مطلوب، وأن يركز الداعية في مشروعه الدعوي، أفضل من أن يشتت ذهنه في أكثر من مشروع دعوي. ما الرسالة التي توجهها إلى الدعاة؟ هناك كلام كثير أريد أن أذكر به أخواني الدعاة خصوصا حملة الشهادات الشرعية، ويمكن أن أختصر ذلك فيما يلي: أولا: اتقوا الله في أمتكم، فهم الآن بأمس الحاجة إلى علمكم وقربكم منهم، واعلموا أن نزولكم للناس، سيوحد الكلمة ويحمي البلد من الفتن، وسيكون له تأثير كبير جدا على حياة الناس وتدينهم. فهم بحاجة إلى القدوات أكثر من حاجتهم إلى الخطب والمحاضرات. الخطب والمحاضرات سيجدونها على النت، وعلى الجوالات، وفي الأشرطة، ولكن القدوات أين يجدونها؟ ثانيا: أنصح اخواني الخطباء والأئمة والمعلمين والمعلمات، أن يحولوا مساجدهم إلى حلق للقرآن وطلب العلم، ونشر الفضيلة وتوعية الناس، ولن يجدوا من يمنعهم بإذن الله تعالى. ثالثا: أوصي اخواني وأخواتي الدعاة إلى الله تعالى بضرورة الاستفادة من علم النفس بفروعه المختلفة، خصوصا علم نفس النمو، وعلم النفس التربوي والاجتماعي. وأخيرا، أوصي الجميع بالتكاتف والتعاون فيما بينهم، واستغلال الفرص المتاحة، فالميدان يتسع للجميع، وبحاجة إلى الجميع، ولا داعي للخلافات الشخصية، أو الركون إلى الدنيا، فالوقت لا يسمح بذلك، فالأعداء يهجمون على عقول وأخلاق المسلمين بوسائل مختلفة وبكل قوة، وعلى مدار الساعة. ومن خلال وجودي في الميدان أقول هناك عجز كبير في الموجهين الثقات، والناس بحاجة إلى من يعلمهم أمور دينهم، وبحاجة إلى من يوجههم ويقترب اليهم خصوصا الشباب منهم، ولا يتركون لمن قد يورطهم في أفكار منحرفة. كما أقول إن الجهات الحكومية والأهلية ترحب بأهل الفضل وتقدرهم، وتشد على أيديهم.. فالله الله إخوة الإيمان، أن يترك المجال للجهال والمبتدعة والمخرفين، فالفرصة سانحة فلا تضيعوها.