الحديث بين يدي مناسبة تاريخية مثل مناسبة (دار اليوم) التي تحتفي بمرور خمسين عاما على قيامها، حديث يستدعي الدلالات، فماذا يقول في حضرة التاريخ من هو حديث عهد بصناعة التاريخ، وماذا يقال بحضرة الأمير سعود هذا المساء وهو من عَرَفَ الصحافة، شؤونها وشجونها، مكتسباتها وتحدياتها، أمير تربى وتعلم في بيت أمير. أمير كبير في قلبه وحكمته، رعى صناعة الصحافة والفكر وكان قريبا منها، ناصحا ومعينا وحاميا، إنه الراحل الكبير، فقيد بلادنا، الأمير نايف بن عبدالعزيز - يرحمه الله -. كان وزير الداخلية هو حامي الصحفيين والكتاب، وفي قربه كانوا أكثر أمنا، وإذا خافوا فزعوا إليه!. أليست مفارقة في.. شرق المتوسط!. مساء اليوم، والناس مجتمعة للاحتفاء سوف يستذكرون بكثير من الإجلال والتقدير من تجاوزوا البدايات المتواضعة لصناعة الصحافة في المملكة ليصلوا بها إلى الحاضر المزدهر، وتلك البدايات كانت ثمرة مبادرات الرواد الأوائل الذين وضعوا بصماتهم في مسيرة الإعلام السعودي، ومن يقرأ سير الرجال المؤسسين للصحافة في بلادنا يقف على تجربة إنجاز مضنية، حافلة بالمصاعب والتحديات، ولا يجد في الكلمات إلا القليل المعين على إسداء الاحترام والتقدير لتاريخ الجيل العظيم العصامي من أجدادنا، الذين وضعوا بذور المشاريع في مختلف المجالات، وفي مختلف مناطق بلادنا، هؤلاء قدموا لنا وطنا.. (على طبق من ذهب)، وحقهم علينا أن نحافظ على مكتسباته ونبني عليها. أيضا من واجب الوفاء أن نسترجع الموقف المشرف للدولة مع الفكر والثقافة والصحافة،، منذ المؤسس الملك عبدالعزيز، ومن جاء بعده من الملوك - رحمهم الله جميعا - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - يحفظه الله - سيرتهم تؤكد أنهم آمنوا بدور الفكر والثقافة والإعلام فرَعَوْها وأكرموا القائمين عليها، ووسعوا السبل لكي يقوم رواد الثقافة والإعلام بدورهم لخدمة بلادهم. هذه الرعاية باقية في ثوابت الدولة، وهو: اعتراف وتقدير.. وليس احتواء أو مهادنة، فقيادات الدولة أدركوا بفطرتهم القيادية وتجربتهم الطويلة في الحكم أن الدولة المعاصرة مكتملة الأركان والمؤسسات لا يتناغم أداؤها بدون مساهمات رجال الفكر، وبدون المؤسسات الإعلامية المستنيرة التي ترعى إنتاج المعرفة وتيِّسر تداول الأفكار وتدفق المعلومات، وتوسِّع دوائر عرض الرأي والرأي الآخر، وفي وضعنا في المملكة، يبقى للإعلام دوره الذي تحتاجه مسيرة بناء الدولة والمجتمع. ففي دولة تتوسع فيها مساحة الإعمار والبناء كل يوم، يصبح الإعلام حاجةً للمسؤول المشغول بالإنجاز، وحاجةً للمواطن الذي ينتظر المخرجات والخدمات، ولكلا الطرفين حقوقٌ وواجباتٌ. هذه العلاقة أمامها أفق يتجدد، فالصحافة مهنة لن تموت وتندثر، بل هي الآن في عز ازدهارها وتوسع تأثيرها ونمو فرصها التجارية. الوسائط الحديثة للتواصل الاجتماعي حولت الناس إلى منتجين للمعلومة والفكرة المبدعة، واتساع العرض للمعلومة يرفع قاعدة الطلب عليها. إننا في مجتمع تتوسع فيه دوائر الأمل والنمو والازدهار، فالصحافة ينتظرها مستقبل مشرق إذا استشرفت المستقبل وبادرت مسرعة لتحويل التحديات إلى فرص، واستثمرت حماية الدولة لقطاع الإعلام من المنافسة، وهذا أكبر دعم. الصحافة سوف تنمو مدفوعة بتوسع اقتصادنا الوطني، والمشاريع العملاقة العديدة التي يجري تنفيذها تجلب ارتفاع المنافسة بالذات في قطاع الخدمات، ويدعم ذلك قاعدة الشباب العريضة لمجتمعنا. مع هذه العوامل، ومع ارتفاع المنافسة التجارية، وسائل الإعلام أمامها فرصة تاريخية أخرى للازدهار والنمو. المناسبات التاريخية تعطي الفرصة للمكاشفة الإيجابية. هنا أعود للذاكرة، لأقف عند كلمات قالها الأمير سعود بن نايف، حتى يعرفها زملائي. في الأسبوع الاول، عندما استقبلني الأمير سعود في مكتبه مباركا المسؤولية الجديدة، كان متطلعا ليرى جريدة «اليوم» مؤسسة إعلامية كبرى تساهم في تكريس حضور المنطقة الشرقية في المشهد الوطني والإقليمي والعالمي، وتساهم في تطوير الصورة الذهنية للمنطقة، وحتى ينجح هذا المشروع، أكد أنه سيكون الداعم الأول بالجهد والوقت والمشورة، وأكد أيضا أنه سيكون الناقد المقوِّم لمسيرة التطوير، وأكد على أهمية العدالة والصدق مع النفس في الطرح والتناول الإعلامي. لقد توسع الأمير سعود في الحديث عن الإعلام ودوره في خدمة التنمية، في رؤيته الإعلام واجبه أن يكون أداةً للإصلاح والتقويم، أداة تجمع الناس وتوحدهم، تعين المسؤول المخلص في عمله، وتبصِّر المواطن بحقوقه وواجباته، تقدم الفكرة والرأي.. ولا تتأخر عن النقد والتقييم حينما يكون ضرورة ومصلحة عليا للناس وللدولة، بما أننا في حقبة تتبدل فيها العلاقات والمقاربات التقليدية للتعامل مع الناس سواء من قبل الإعلام أو حتى مؤسسات الدولة، في تقديره للأمور، كمسؤول وضع لخدمة الناس، يرى أن وسائل الإعلام حتى تكون مؤثرة وقوية، مطلوب منها التوسع في متابعة هموم الناس ومشاكلهم اليومية، فالناس لها عيون ترى وعقول تدرك، وإذا هناك أخطاء او تقصير يراه الناس ويعانون منه، فمن واجب الإعلام التنبيه عليها وعدم تجاهلها حتى يباشرها المسؤول ويصححها، لذا فهو يثمن الدور الرقابي الإيجابي للإعلام ويراه (ضرورة وواجباً)، وأحيانا يكون النقد والتقييم داعما للمسؤولين، فهؤلاء، كما يقول، دورهم تنفيذ خطط الدولة ومشاريعها، ومن يعمل ويباشر حاجات الناس فمتوقع منه الأخطاء والتقصير، وكمسؤولين من يهدي إلينا عيوبنا فعلينا وواجبنا شكره وتشجيعه على هذه المهمة النبيلة. ما قاله الأمير هو خلق الإسلام ومقاصد الشريعة، وهو ما يقوله دائماً خادم الحرمين الشريفين لكل مسؤول يرعى مصالح الناس. في جريدة «اليوم» نؤمن أن الصحافة رسالة ومسؤولية، رسالة أخلاقية واجبها تحري الصدق والعدل، ومسؤولية عظيمة تتطلب الصدق مع النفس والتجرد من الذات والموازنة بين المصالح، مصالح الدولة ومصالح الناس ومصالح ملاك الجريدة الذين يتطلعون الى الأرباح، وهذا حقهم الأدبي والنظامي. التطلع للأرباح ليس حقا مكتسبا نظاما فحسب، بل ضرورة. إذا وجدت الأرباح تكبر المطبوعة وتستطيع استقطاب الكفاءات وتوسع مشاركة الكتاب وتنوع منتجاتها وتكون أكثر قدرة على التكيف مع دورات الرواج والانكماش في الاقتصاد، حتى تحافظ على رسالتها الوطنية. إننا نعرف أن الدولة لديها مشروع كبير في المنطقة الشرقية، مشروع بناء وتحديث لكل محافظاتها ومراكزها، وما نرجوه هو أن تكون جريدة «اليوم» أداة حراك فكري ومعنوي وأخلاقي لإنجاح هذا المشروع الكبير الذي يرعاه ويدعمه خادم الحرمين الشريفين. من شواهد هذا الدعم موافقة الملك عبدالله على إنشاء هيئة لتطوير المنطقة الشرقية، ومما يعرفه كل مواطن سعودي عن الملك عبدالله هو دعمه ومؤازرته لكل مسؤول يجتهد ويخلص لخدمة الناس. الأمير سعود يستحق التهنئة على الدعم والثقة المتجددة من قائدنا، وراعي نهضتنا.. لقد أعطاه ذراعا لتسريع مشاريع التنمية التي ننتظرها جميعا في هذه المنطقة، ولعلنا نكون وسيلة إعلام تساهم معه، وتساند قيادات المنطقة لإنجاح هذه المهمة الكبيرة، أعانهم الله جميعا عليها. ونحن نستشرف خمسين عاما أخرى بحول الله، نتطلع للمساهمة الإيجابية في تجديد الثقة ببلادنا، وبإمكانياتها الكبيرة، ونرجو أن نكون وسيلة إعلام تخدم ثوابت وحدتنا الوطنية، وتساهم في صناعة الإجماع على مصيرنا المشترك، بالذات في هذه الظروف الصعبة التي تحيط ببلادنا، وهي ظروف تضع الصحافة والإعلام عموما أمام مسؤوليات وتحديات لا تقل خطورة، بل أصعب وأخطر من تلك الظروف التي واجهتها بلادنا قبل خمسين عاما. حفظ الله بلادنا من كل مكر، وسوء نية وطوية، وحفظ الله الأمير سعود بيننا قائدا وأخا ومعينا وداعما، وحارسا أمينا لمشروع خادم الحرمين الشريفين الذي يسعى ويجتهد لأن يرى المنطقة الشرقية تحظى بكل ما تستحقه وتحتاجه من مشاريع تيِّسر للناس حياتهم وتجدد ثقتهم واعتزازهم ببلادهم.