يقصد بالتواصل الاجتماعي التأثير والتأثر بالآخرين عن طريق تبادل الأفكار والثقافات والمعلومات. وتتعدد أنواع التواصل الاجتماعي في عالمنا المعاصر فمنها المرئي الذي تلتقي فيه الأرواح وتتقارب فيه الأجساد لتخلق أجواء من الألفة والمحبة، ومنها اللامرئي عبر وسائل الاتصال الاجتماعي الالكتروني التي فرضت نفسها علينا. وعلى الرغم من صرخة التقنية المذهلة التي جعلت من العالم الفسيح المترامي الأرجاء قرية كونية صغيرة بفضل شبكة المعلومات العنكبوتية الدولية التي أظهرت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر وغيرها من المواقع التي لعبت دوراً منقطع النظير إيجاباً أم سلباً في التواصل بين أفراد المجتمع ونشر ثقافة معينة بينهم، وتوحيدهم على هدف مشترك عجز الكثير من الكتب والوسائل والوسائط والمفكرين والناشطين عن تحقيقه على وجه السرعة، إلا أن هناك أمورا سلبية كثيرة ترتبت على ذلك الاختراع الهائل، فمن أنشأ وصمم صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يعلم جيداً أن هناك شريحة من المجتمع ستسيء استخدامه ثقافياً وسياسياً وأخلاقياً وأخرى ستسعى لاستخدامه الاستخدام الأمثل في نشر المعلومات والأخبار القيمة وفي تنمية الخبرات والمعرفة والإمكانات. ان المتأمل لتقريب تلك المسافات على لوحات النت وشاشات التواصل الاجتماعي يجد بالمقابل أن هذا التقارب الساحر يقابله تباعد روحي وحسي حسب ما أوردته استطلاعات الرأي على عينات عشوائية من المتواصلين الكترونياً لكنهم متباعدون جسدياً وروحياً. ففي بعض الأسر يكتفي الابن بطبع قبلة عبر الواتس أب -أحد وسائل الاتصال الالكتروني- وغيره على جبين الأم أو الأب أو الأخ أو الأخت أو الأبناء ، أما عن آخر زيارة فعلية لهم فيقول أحدهم كانت منذ عام، وآخر منذ ستة أشهر أو ثلاثة أو شهرين، ورابع منذ عشرة أيام أو أسبوع والفاصل بينهم بضعة كيلومترات أحياناً، وإذا سألته كيف تتواصل مع أمك وكيف تطمئن على أختك يقول عبر الواتس أب وهو فخور بما يقدمه، والأم أو الأخت تراها سعيدة في تلك القبلة الوهمية ومتناسية حقها ومتعتها في ضم فلذة كبدها إلى صدرها أو شقيق عمرها وتلمس رأسه ووجهه بكفيها كم هو موقف مؤلم ومخزٍ في وقت واحد. أبناؤنا وأخواننا لا تحرمونا من عطفكم وحنانكم ولا تجعلوا التقنية ونقاط التواصل الاجتماعي ما يربط أرحامنا ببعضها البعض. خذوا من تلك الثورة المعلوماتية أنفعها، وضعوا في تلك الأوعية أثمرها، ولنبتعد في تعاملاتنا وتواصلنا عن الإساءة للآخرين، ولنترك العلاقات الإنسانية وصلة الرحم تأخذ طريقها الحقيقي المباشر. فبثورة الاتصالات تقاربنا وبها أيضاً تباعدنا وتقطعت أرحامنا وليذهب رحيق الأحضان وضمات الصدور إلى الجحيم ألف خسارة وأكبر أسف على عالم يبعد به علمه عن أدبه.