تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعل الله حجنا مبرورا وسعينا مشكورا وذنبنا مغفورا وجميع المسلمين. جميلة هي تلك المعاني في حياتنا التي لا تتعلق بالمال أو المصالح وإن كانت سببا أساسا في إعمار إحدى سنن الحياة في الأرض. كم أعشق تلك القيم التي يكون أساسها الإحسان ومحبة الخير للغير دون رجاء لمقابل إلا من رب العباد فقط وحده سبحانه وتعالى. لا عيب ولا غرابة ولا عجب في السعي نحول المال عن طريق المصالح المتبادلة، بل إنه حق مشروع شرعا وعرفا، لكن الأجمل أن تكون هناك مبادرات لا علاقة لها بالمال ولا بالمصالح أبدا فقط لله وفي الله. تسود قصص كثيرة عن موضوعي اليوم فالإحساس بالآخرين والابتسامة في وجوههم ممن عرفنا ومن لم نعرف ومساعدة أي محتاج بأي شكل هي صور جميلة فعلناها أو سمعنا بمن فعلها. ونبينا الكريم (عليه الصلاة والسلام) وصانا في كل أمورنا مهما كانت أن تكون خالصة لوجهه حتى ننال الأجر والثواب، إلا أن هناك قصصا من يسمعها للوهلة الأولى يظن أنها خيالية لا يمكن أن تمت للواقع والحقيقة بصلة، إلا أن فيها من العبر والرسائل ما قد تعجز عنه الكتب سأروي لكم واحدة منها: قرأت قبل أيام قصة قديمة عن رجلين أحدهما أعمى والآخر أعور , هذان الرجلان قررا السفر من البصرة إلى بغداد، فقام الأعور بقيادة صديقه الأعمى طوال الطريق حتى وصلا إلى مشارف سور المدينة، وحينها سمعا أصوات بعض الناس المتواجدين عند المدخل فقال الأعمى للأعور : يا صاحبي : أتسلك طريقا وأسلك أنا آخر ؟ فقال الأعور ولماذا ؟ فقال هناك أناس مجتمعون على مشارف المدينة يمرحون ويلعبون ويضحكون وأخشى إن شاهدونا يضحكون علينا فنحن رجلان, رجل أعمى وآخر أعور، وسنكون مثارا للسخرية. فرد عليه الأعور قائلا : فليكن وإن سخروا منا وضحكوا علينا فلا بأس, فالذنب لهم, والأجر لنا, فرد عليه الأعمى مستنكرا ومتعجبا قائلا : أنؤجر ويأثمون ؟ قال نعم، فرد الأعمى: لماذا لا نسلَم ويسلَمون؟ فنظر إليه الأعور، وقال : صدقت والله , فلنسلَم من الضحك والسخرية, وهم يسلَمون من الذنب والإثم, وفعلا سلك كل منهما طريقا آخر. مثل هذه القصص نموذج يجب أن يُدرّس, هذا نموذج لحب الغير والخوف عليه من الإثم والذنب, هذا ما يرسخ مجتمعاً أخوياً مترابطاً يحب بعضه بعضا، ويتمنى له الخير، مثل هذه القيم لا تشترى ولا تباع حتى بأموال الدنيا كلها. قصص كثيرة تبين مدى الاحساس بالآخرين حتى ولو كان على حساب المصلحة الشخصية, فهذان الرجلان لم يخطئا أصلا وكان بإمكانهما المضي سويا ومهما تلقيا من الاساءة بالقول أو بالفعل فلن يضرهما شيء، فهما سينالان، بل سيأخذان من حسنات من أخطأ في حقهما، لكن رغم ذلك كانا صاحبي نظرة بعيدة وخافا عليهم من الذنب والإثم وهذا في حده أجر عظيم لهما. الحياة فيها سعي للرزق والمال والمصلحة وهذا لا خلاف ولا جدال عليه, لكن إن فتشنا قليلا وجدنا أبوابا كثيرة وعظيمة قد تكون سببا في نمو الرزق وقبله الأجر العظيم من الرزاق - سبحانه وتعالى - حتى نصبح كلنا "نسلَم ويسلَمون" بإذن الله. ألقاكم السبت المقبل, في أمان الله. * ماجستير إدارة أعمال - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن