انه التاريخ الذي لا مفر منه، حتى ولو في كرة القدم، ومن يزرع في التاريخ يكون حصاده غنيا مع الايام، ومن يدري، فقد تتكرر التجربة، او يعيد التاريخ نفسه، والشواهد كثيرة. انه دييغو ارماندو مارادونا مجددا، كتب التاريخ وسلم الشعلة الى اجيال جديدة، انها الارجنتين، انجبت مارادونا، وانتظرت عبقريا آخر. انتظرت الارجنتين قرابة عشرين عاما كي يأتي من يمكنه تكرار تجربة مارادونا، انه ليونيل ميسي، خريج مدرسة برشلونة الاسباني، وصانع مجده في الاعوام الخمسة الماضية، طبعا بغض النظر عن الفشل في الموسم الاخير. بقي طيف مارادونا يخيم حول ميسي، فالموهبة الارجنتينية الجديدة حققت كل شيء مع برشلونة، من لقب الليغا الى دوري ابطال اوروبا الى اهداف بالجملة الى جائزة افضل لاعب في العالم اربع مرات متتالية، لكن هذا السحر في كاتالونيا لم يكن له مكان في بوينس ايرس وسائر المدن الارجنتينية. بقي مارادونا يقبض على قلوب الارجنتينيين، وايضا على قلوب الملايين حول العالم، موهبة نادرة، ترويض قل نظيره للكرة، ذكاء حاد، وقدم يسرى لا حل لها، ولا مجال للمجاملة، فمونديال مكسيكو 1986 الشهير يلقب بمونديال مارادونا. المقارنة المستمرة بمارادونا جعلت ميسي يعيش تحت ضغوط هائلة في المنتخب الارجنتيني، فلم يحقق معه ما يستحق الذكر، كانت الفرصة متاحة في مونديال جنوب افريقيا 2010 بوجود الاسطورة ايضا على رأس الجهاز الفني، لكن الخيبة كانت كبيرة برباعية نظيفة امام المانيا في دور الثمانية. في مونديال البرازيل، لم يقنع منتخب الارجنتين حتى الآن، باستثناء بعض الدقائق من حين الى آخر، لكن وكما سجل التاريخ حكاية "وان مان شو" في مونديال مكسيكو 1986 مع مارادونا، فان السيناريو يبدو مشابها حتى الآن مع "وان مان شو" آخر هو ميسي. فالمنتخب الارجنتيني بأدائه الحالي لا يمكنه احراز كأس العالم، وهذا رأي العديد من الخبراء في كرة القدم، لانه لا يقدم اداء جماعيا جيدا ولا حتى جماليا ويترك بعض الثغرات في خط الدفاع، ولكنه محظوظ بوجود عبقري قال عنه مدرب سويسرا الالماني الخبير اوتمار هيتسفيلد انه اللاعب الذي بامكانه تغيير مجرى المباراة بثوان معدودة. في المباراة الاولى امام البوسنة، عانت الارجنتين، واحتاجت الى تدخل ميسي بعد اكثر من ساعة من الاداء المتواضع لكي يسجل هدف الفوز، وفي المباراة الثانية الشهيرة مع الارجنتين كان منتخب التانغو في موقف صعب للغاية ومتجها الى التعادل السلبي مع ايران لكن عبقرية ميسي ظهرت في الدقيقة الاولى من الوقت الضائع عندما انطلق بكرة من الخلف واطلقها بيسراه في الزاوية البعيدة عن الحارس، منقذا الارجنتين ونفسه من ورطة كبيرة، ولعب هذا العبقري الجديد دور المنقذ في المباراة الثالثة بتسجيله هدفين في مرمى نيجيريا ليقود بلاده الى الفوز بثلاثة اهداف مقابل هدفين. حملت المباراة الرابعة للارجنتين في مونديال البرازيل وتحديدا في الدور ثمن النهائي تقلبات كثيرة في الاداء، تواضع في الشوط الاول، ونشاط من دون فعالية في الثاني، وتحسن في الشوطين الاضافيين، لكن من دون اقناع او جودة. انتظر الجميع المنقذ ميسي، لكنه لم يسجل، بل انه انطلق بكرة محاطا بثلاثة لاعبين سويسريين وسار بها ثم لمح المتألق انخل دي ماريا خاليا من الرقابة في الجهة اليمنى، فمررها له بلمسة الساحر وحملها نفحة من العبقرية فتلقفها دي ماريا واكملها رائعة بيسراه في الزاوية البعيدة عن الحارس مسجلا هدف العبور الى دور الثمانية. عبرت الارجنتين بشق الانفاس، لكن الحكاية تتكرر، انه بلد الوان مان شو، ولكن يحتاج ميسي الى التدخل بشكل حاسم في ثلاث مباريات اضافية كي يعيد كتابة التاريخ ويرفع اسمه الى مستوى اسم مارادونا في سجلات الشرف الارجنتينية والعالمية.