قرر صاحب أحد المطاعم بالمنطقة الشرقية، فرض غرامة على الزبون الذي لا يكمل وجبته، هذا القرار البسيط يعكس رؤية إنسانية عميقة، صاحب المطعم برر قراره بأن ليس من الحكمة أن يطلب الزبائن الكثير من الطعام ثم يلقى أكثره بالمخلفات، في الوقت الذي لا يجد فيه الفقراء ما يسد جوعهم، وأكد الرجل النبيل أن تنفيذ قراره جاء بعد متابعته لمجاعة الصومال ورؤيته لأطفال تموت جوعا، ولم يكتف صاحبنا بذلك، بل يعمل على نشر دعوته لتشمل كل المطاعم، حتى يعتاد من يخلط عمدا أو جهلا بين الكرم وبين الإسراف على الاعتدال، ان هذا الرجل البسيط مع ثقافته الإنسانية يعلم خبراء الاقتصاد درسا عمليا، فالاقتصاد الحقيقي ليس العلم السجين بين صفحات الكتب بل هو رؤية وسلوك البشر قبل النظريات والأفكار المنمقة، الحد من الاستهلاك غير المبرر، ونشر ثقافة الاعتدال لا يفيد صاحبه فقط بل يفيد المجتمع كله، فإذا كان جوهر علم الاقتصاد هو تلبية حاجات البشر فمن المنطقي أن نحافظ على الموارد ولا نهدرها، كما أن من العدل أن نحسن توزيعها على الناس بقدر حاجاتهم لها وليس فقط بقدر امتلاكهم للثمن، أن الاحساس بالجوع لا يجهد الجسم فقط بل يعذب النفس أيضا،ان صاحب المطعم أكثر صدقا وإنسانية من الخبراء أصحاب الكتب المعقدة، فهو لم ينتظر أو يقرأ كثيرا التقارير والبيانات، فقط أوجعه وجه طفل جائع، وأب عاجز، وأم حزينة، فقرر ألا يشارك بالمأساة متفرجا، وألا يسمح لسلوكيات شرهة تستفز الفقراء وتهين صبرهم.وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بغاية الحكمة حين جاءه رجل يشكو عمالا له بأنهم سرقوا ناقة، فقال له «والله لو جاؤوني يشكون جوعا لقطعت يدك» مقولة عمر تلك توصلنا لسعة الإسلام القائم على الرحمة والعدل، الرحمة للضعيف قبل القوي، الفقير قبل الثري، والعدل لجميع البشر دون تفرقة، هذا جوهر الدين الذي لا يعرفه خبراء الاقتصاد، أصحاب العبارات الغامضة، الباحثون عن منحنيات العرض والطلب، التدفق النقدي ومعدلات التضخم والأسعار، الرسوم البيانية الملونة، والتقارير الرقمية المعقدة، نظريات جافة حمقاء لأنها ترى الأرقام ولا ترى الإنسان، تهتم بالبيانات وليس بالعدل، الأرباح وليس الرحمة بالفقراء، ان صاحب المطعم أكثر صدقا وإنسانية من الخبراء أصحاب الكتب المعقدة، فهو لم ينتظر أو يقرأ كثيرا التقارير والبيانات، فقط أوجعه وجه طفل جائع، وأب عاجز، وأم حزينة، فقرر ألا يشارك بالمأساة متفرجا، وألا يسمح لسلوكيات شرهة تستفز الفقراء وتهين صبرهم، قرر أن يقاوم الإسراف حتى لو على حساب أرباحه، وبعكس خبراء الاقتصاد أقول للرجل الطيب، لقد كسبت راحة ضميرك، وأيضا ستحقق أرباحا كبيرة، فكل المتضامنين مع الفقراء سيفضلون مطعمك عن سواه، وهذا الرزق مصحوب برضا الله. كل عام وأنت يا وطني سالما. [email protected]