ادرك تماما وبكل وضوح ان هناك مبالغة شديدة وخطأ فاحشا نرتكبه حين نعتبر المراهقة مشكلة. والذي اعتقده ان المراهق يحاط بمشاكل وان قسما من المشاكل التي تحيطه هي من صنيعنا نحن جميعا، اقصد الاسرة والمدرسة والمجتمع. ما الحل اذا كي يصبح هذا المنتج فخرا واعتزازا وشرفا لمنتجه ويعاد للصدارة والواجهة كرقم صعب في معادلة التقدم والبناء؟ الفهم الشباب والمراهقة مفاهيم مشوشة في الاذهان، ومشوهة بما اعطي الانسان من قسوة حين يشوه الاشياء ويغير صورها لقد اصبحت مرادفة للعصيان والتمرد والانفلات والتحلل والجريمة، ويعود السبب كما اظن الى تصرفات قليل من آحاد هذه الشريحة، والى جزء كبير من التعميم الذي ارتضيناه، تشفيا وانتقاما، وسخطا على ما ازعجنا من ممارسات واستفزازات صدرت من هذا الشاب او تلك المجموعة من المراهقين. هذه الصورة التي رسمناها للشباب افقدتنا الثقة بهم، والقرب منهم فلاحقناهم بسوء الظن، وسقناهم بنظرات الريب، وبادلونا بعدم الاكتراث واللامبالاة وبمزيد من التجاوز لما نزعمه قيما واخلاقا واعرافا وخطوطا حمراء وصفراء. وليس الحل سوى ان نعتق انفسنا من اسر هذه التصورات السلبية، وان نعيد صياغة الفهم لهذه المرحلة الحساسة كي نبني الثقة بيننا وبينهم، وعلى اساس الفهم الهادىء والمتعقل لفترة الشباب والمراهقة يمكننا كسبهم والافادة منهم وطريقنا لذلك ثلاثة امور. الاستهداف بخطاب مركز يحاكي هذه المرحلة الحساسة، ويستحضر التغييرات التي تمر بها فيتحسس الامها، ويعي امالها ويدرك تمام الادراك انها مرحلة مغرية للكثير ممن يريد تشويه امتنا، وخلقها بواقع مستقبلي كسيح لا يقوى على الحراك والنهوض. خطاب يركز استقامة الجوهر بفهم جديد لمفردات الدين الثابت، ويبعث نحو العلم والابداع في تطلع لا يكون الحفظ والتلقي مقياسه للنجاح، ويعطي الكفاءة موقع الصدارة والهيمنة، رافعا بذلك عقبة السن وغيرها من العقبات التي تئد الكفاءات وتخنق الانفاس الواعدة. وقصدي من الخطاب هنا ليس الكلمات المعسولة التي اجدنا تركيبها واتقنا القاءها بل قصدت واقعا يستحث الشباب مناديا اي انتم ومقاعد الدراسة شاغرة تنتظر تشريفكم؟ ويستفز هممهم مخاطبا ان الوظائف في شوق لكفاءاتكم ويعلن رسالته الاولى والاخيرة بان زمن الشهادات الخالية من السعرات الحرارية قد ولى ومضى، وان شهادتكم ايها الشباب بوسعها ان تؤكلكم خبزا وتؤمن لكم ولبلدكم مستقبلا يستحق ان تبذل دونه المهج. وفي اعتقادي ان خطاب الواقع اكثر اسماعا من اي خطاب اخر الاستيعاب للشباب طاقة وقدرة وابداع وطموح كبير، وامال تصل حد الخيال، وشعور مفرط بالانا لا يعرف القيود والحدود، والخيار امامنا احد امرين، اما ان نهملهم ونغض الطرف عنهم ونتجاهل شبابهم المتحفز فيشعلوها حربا شعواء لا ترحمهم ولا ترحم المجتمع معهم، واما ان نستوعبهم ونجير طاقتهم وقدراتهم وحيويتهم لما فيه خير البلاد وراحة العباد. والطريق السليم هو احتضانهم في اطر لا تعاند الاطر القائمة بل تجاريها وتوازيها لتستوعب الفائض من طاقتهم وتنمي المهمل من قدراتهم وتستجيب للعفو من حركتهم الدؤوبة، والمؤسسات الاهلية او ما يسمى بتشكيلات المجتمع المدني بأنواعها واصنافها يمكنها حفظ تلك الطاقات من الاخطار والانحرافات ومن ثم توجيهها للصالح العام. واذا كانت بعض الاطر في الخارج قد استغلت القوى الشابة فيما ازعج المجتمع واخل بامنه ووجهتهم بعيدا عن قيم الدين وثوابته، فان العلماء والمثقفين والمتدينين بما يحملون من كفاءة واخلاص وحب لهذا المجتمع يمكنهم ان يستنسخوا بديلا بمواصفات تتوافق والقيم التي نؤمن بها وان يبدعوا الاجمل والاسلم لشبابنا ورجال غدنا مستجيبين لامر الله سبحانه (وتعاونوا على البر والتقوى). الاشراك بطبعه يريد الشاب ان يرى ذاته موجودا وشريكا في كل شيء، وبطبيعتنا كمجتمع وتحت مبررات واهية نحجب عنه كل شيء، ونبعده عن المشاركة برأيه ايضا في كل شيء، بدءا من الاسرة وانتهاء بما شاء الله مرورا بما تسعفنا الذاكرة على استذكاره من التهميش والتجاهل، وندعوه لامر واحد فقط وهو ان يطيع ويسمع ويلتزم وكفى. بهذا الاقصاء والاندفاع المتهور نتعاطى مع الشاب فنستفزه للعصيان والتمرد والمشاكسة، ولو اشركناه لكسبناه عنصرا فاعلا في عائلته ومنتجا لمجتمعه وحاميا لوطنه.