(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرين). لا اتصور ان مؤمنا بالله وبالقرآن يجد اليأس الى قلبه سبيلا, مهما اظلمت امامه الخطوب واشتدت عليه وطأة الحوادث ووضعت في طريقه العقبات, ان القرآن ليضع اليأس في مرتبة الكفر ويقرن القنوط بالضلال: (قال ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون). وان القرآن ليقرره ناموسا كونيا لا يتبدل ونظاما ربانيا لا يتغير سنة الله (ولن تجد لسنة الله تبديلا). ان الايام دول بين الناس وان القوي لن يستمر على قوته ابد الدهر والضعيف لن يدوم عليه ضعفه مدى الحياة ولكنها ادوار واطوار تعترض الأمم والشعوب كما تعترض الاحاد من الناس والافراد: (وتلك الايام نداولها بين الناس). ان حكمة الله في ذلك ان يبلو المؤمنين ويختبر الصادقين ويميز الخبيث من الطيب فيجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ويجزي الصادقين الثابتين نصرا وتأييدا في الدنيا ومثوبة ومغفرة في الآخرة: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم) (ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين). (ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب), واقرب ما يكون هذا النصر اذا اشتد الضيق وزاغت الابصار وبلغت القلوب الخناجر: (حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين). ولم تتخلف هذه القاعدة الربانية في الأمم السابقة فكم من أمة ضعيفة نهضت بعد قعود وتحركت بعد طول خمود وكم من امة بطرت معيشتها وكفرت بأنعم الله فزالت من الوجود واذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون: (وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد اولاها بعثنا عليكم عبادا لنا اولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا). وان القرآن ليمد هؤلاء الصابرين الآملين الذين لا يجد اليأس الى قلوبهم سبيلا بمعان من القوة لا تفيض الا من رحمة الله وقدرته تتحطم امامها قوى المخلوقين وتعجز عن إضعافها والنيل منها محاولة العالمين وما يعلم جنود ربك الا هو (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقبلوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم انما ذالكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين) (قال رجلان من الذين انعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين), وقد لا يخطر ببال هؤلاء المؤمنين الصابرين انهم سيصلون الى الغاية بمثل هذا اليسر او تتحقق لهم الآمال بهذه السهولة ولكن الله العلي يدني منهم ما بعد ويهون عليهم ما صعب ويوافيهم بالنصر من حيث لا يحتسبون (هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الأبصار), (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا انزل الذين ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا), فيا ايها المؤمنون بهذا الكتاب الكريم ايليق بكم ان يقول قائل: ماذا نصنع ونحن ضعاف وخصو منا قوياء؟ او يجهل أحد منكم ان يتخلف وفي صدره هذا الأمل الواسع. ومن ورائه هذا التأييد الشامل من صف الجهاد؟.. اللهم لا. لا تيأسوا فليس اليأس من اخلاق المسلمين وحقائق اليوم احلام الأمس واحلام اليوم حقائق الغد, ومازال في الوقت متسع ومازالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد, والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته والقوي لا تدوم قوته ابدالا بدين (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض). ان الزمان سيتمخص عن كثير من الحوادث الجسام وان الفرص ستسنح للاعمال العظيمة وان العالم ينتظر دعوة الهداية والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من الآلام وان الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب وتلك الايام نداولها بين الناس وترجون من الله ما لا يرجون فاستعدوا واعملوا اليوم فقد تعجزوا عن العمل غدا. لقد خاطبت المتحمسين منكم ان يتريثوا وينتظروا دورة الزمان واني لاخاطب المتقاعسين ان ينهضوا ويعملوا فليس مع الجهاد راحة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين) والى الأمام دائما. أثار القرآن الكريم على النفس قال تعالى: (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا). الاسراء (82). انه شفاء للأمراض تصيب الانسان في نفسه وقلبه وروحه بما يقدمه له من حقائق ومعالم, وهو كفيل بالقضاء على الامراض النفسية والروحية والقلبية والعصبية, كالجبن والذل والبخل والقلق والتوتر والعصبية والاحباط, واليأس والقنوط والهوى والشهوة والشبهة والضياع والانحراف. فمن يشعر انه مبتلى بمثل هذه الامراض النفسية فليحرص على الاكثار من تلاوة كتاب الله المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: (وكذلك اوحينا اليك روحا من أمرنا) الشورى (52). ووصف القرآن الكريم بذلك لأنه يحيى القلوب المؤمنة, ويجعلها يقظة مبصرة حيه نافعة والقرآن الكريم ينير حياة المسلمين ويبدد الظلام من حولهم, وهو كذلك يخوف النفوس ويزجرهم عن فعل المعاصي وارتكاب الأثام. فبادر اخي المسلم بتلاوة القرآن وحفظه وفهم معانيه ومن درس القرآن وحفظه فعليه تدريسه للأجيال من بعده كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). @@ محمد البيطار