باعتباره ناشر مجلة فوربس الشهيرة ولديه خلفية قوية في وادي السيليكون، يتوقع من ريتش كارلجارد مؤلف كتاب " كيف يغير الناس حياتهم في أن تكون له نظرة مختلفة حول كيفية تعافي الأمريكيين من فقاعات الدوت كوم التي أصابتهم بالإحباط والإفلاس، وكيف يحاولون التواؤم مع أوضاعهم الجديدة. ولا يخيب كارلجارد ظننا. فها هو يقدم لنا كتابا مختلفا عن كل مثيلاته. الكتاب يشبه المغامرة التي يقوم بها المؤلف متنقلا من ولاية لأخرى للبحث والعثور على قصص نجاح محلية، يدور معظمها حول أناس أضيروا من خلال فقاعة الدوت كوم، فلم يفقدوا أموالهم فقط، بل وأحلامهم أيضا، وهي التي يحاولون استعادتها وبث الأمل فيها.. ربما عن طريق آخر غير شركات الدوت كوم. وينقله ذلك إلى ملاحظات عامة حول الأوضاع الاقتصادية ككل، والتي تدفع الناس إلى الهرب من المدن الكبرى للبحث عن حياة أبسط وأكثر هدوءا وبعدا عن صخب المدينة وذكريات الإفلاس. وقد لا يكون الكاتب قد نجح تماما في دمج الاثنين معا. لكنه يحقق نجاحا كبيرا في تقديم كل منهما على حدة. فقصص الأفراد مؤثرة وواقعية إلى حد بعيد. ونظرة كارلجارد وفهمه للأحوال الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عميق وواقعي للغاية. ورغم أن الكتاب مليء بقصص أناس هاجروا من أماكنهم بحثا عن الهدوء والبساطة، ورغم أن قصص المؤلف عن حياته الشخصية كثيرا ما تطغى وتخترق الكتاب، إلا أنه لا يفقد صفة العمومية التي يتميز بها الكتاب. ومهما اختلفت الآراء حول قيمة هذا الكتاب، فإن قراءته تمثل بالتأكيد متعة وتسلية كبرى. إذ يبدو الأمر وكأن كارلجارد يقدم لنا نظريات اقتصادية من خلال صور اجتماعية في قالب قصصي. وهو ما يضيف فائدة للكتاب أيضا. يوجه كارلجارد أنظار الأمريكيين أيضا إلى مميزات العيش في المدن الصغيرة وأطراف الأقاليم، مؤكدا أنها ليست فقط لمن يريدون الاستشفاء من صدماتهم، بل لكل من يبغي العيش في هدوء وسلام، فاتحا بذلك أمامهم خيارات لم يفكروا فيها من قبل، للهرب من آثار اقتصادية دمرت حياتهم، ولا تزال. فكثيرا ما نسمع أن الولاياتالمتحدة هي بلد الفرص الثانية. ويؤكد المؤلف هنا على ذلك، فيقول: "في العالم أجمع، إذا أضير الإنسان وأراد الهرب من الحصار المفروض عليه، فإنه يهاجر خارج البلاد. أما هنا فيمكن للإنسان أن يبدأ بداية جديدة تماما، في مكان آخر، لا يزال داخل الولاياتالمتحدة". ويناقش المؤلف من خلال القصص التي يستعرضها ما يسمى بالحلم الأمريكي، وإلى أين وصل بالأمريكيين في هذا القرن والعصر؟ بدأت قصة كارلجارد - كما يحكيها في مقدمة الكتاب - عندما شعر بأنه يكتب في مجلة فوربس كلاما نظريا، مستقى من الكتب، وأنه لا يعرف وقع الأحداث الاقتصادية التي يكتب عنها على حياة البسطاء من الناس، ومحاولاتهم للتغلب على أزماتهم للخروج منها. ومن هنا قرر خوض تلك التجربة، واكتشف أن الناس تربط بين الذكريات الأليمة والأماكن، فتتركها هربا من تلك الذكريات، التي تتمثل في المعاناة الاقتصادية وتلقي الضربات والصدمات الواحدة تلو الأخرى. ويؤكد المؤلف أن هؤلاء ليسوا ناقمين على الحياة الحديثة والتكنولوجيا عامة. فهم ما زالوا يؤمنون بها، بل ويستخدمونها في أعمالهم. لكنهم جندوها لخدمتهم، ولم يعودوا عبيدا لها. فالإنترنت مثلا أصبح وسيلتهم للبعد عن صخب المدينة والاستمتاع بصحبة عائلاتهم لأطول وقت ممكن. وهكذا يثبت الكاتب أنه يمكنك أن تعيش حياة أكثر ثراء وإرضاء في أماكن أصغر وأكثر هدوءا. وإذا كان كارلجارد يكتب في مجلة فوربس مقالا ثابتا بعنوان "قواعد رقمية" يجمع فيه بين الاقتصاد والتكنولوجيا وعلم الاجتماع، فقد قام بنفس الشيء في هذا الكتاب. فأثبت لنا أن الحياة كيان واحد، رغم تعدد جزئياتها. وأن ما يواجهه الإنسان يؤثر عليه ككل. وأن طرق مقاومته ومحاربته وحلوله لمشكلاته أيضا قد تبدو بعيدة المنال ولا علاقة لها بالمشكلة، في حين أن فيها بالفعل الحل الأكيد. ورغم أن الكتاب أمريكي الطابع والنزعة إلى حد كبير، إلا أنه يمكن تعميمه على الإنسان في كل مكان. فالحياة لا تسير دائما على الوتيرة التي ترضينا، لكننا يجب أن نجد لها حلا، حتى ولو كان بالانتقال من مكان لمكان آخر نبدأ فيه بداية جديدة متفائلة. Life 2.0: How People Across America Are Transforming Their Lives by Finding the Where of Their Happiness By: Rich Karlgaard 320 pp. - Crown Business