كلنا يحتاج الخوف، فهو أداة إنذار غريزية عندما نصل إلى حدود الخطر ، الخطر الذي قد يهدد حياتنا. ولكن قد يتضاعف حجم هذا الخوف حتى يقف حائلا دون إكمال مهماتنا بالحياة كما يجب أن تُكمل . يصاب الكثيرون بأنواع عديدة من أصناف الخوف ، وتتعجب من كثرة مصطلحات أمراض الخوف من الخوف من الأعالي، إلى الخوف من الأماكن المغلقة ، وعندما تستعرض اصطلاحاتها باللاتينية قد تصاب برهاب جديد اسمه رهاب المصطلحات.. أنا لا أود أن أشكك في قدرة الأخصائيين النفسيين ، ولكني أعتقد أن الحل للخروج من مخاوفنا هو أن نواجهها نحن بأنفسنا ، وأن نولد الإرادة لذلك ، أو أن يكتفي أحد بتشجيع المصاب بأحد أمراض الخوف يأن يواجه خوفه ويصر على ذلك. لن يمكن لأحد أن يساعد المصاب بأحد أمراض الخوف من القفز فوق عقدته، إن لم يقم المريض بالقفزة بنفسه، كل ما يحتاج منا هو الدفعة والتشجيع أو عصا الزانة.. كنت مع أحد أصحابنا المصابين بخوف الأماكن المغلقة وبالذات المصاعد، وكنا في مدينة أجنبية قبل أيام، ولم يكن له طريق للوصول إلى مكان اجتماعنا إلا بأن يركب المصعد معنا، ولكنه رفض رفضا صارما وبدأ العرق يتفصد من وجهه ونحن وفي وسط جو يجمد هواء النفاس، شجعناه أكثر من مرة، إلا أن وجهه يزداد إصفرارا تارة ويمتقع إحمرارا مرة أخرى .. اضطررنا أن نذهب لشأننا ونتركه في بهو المبنى. .. وإذ نحن في اجتماعنا رأيناه مقبلا علينا وهو يقفز من الفرح وكأنه فتح كل الدنيا ، وبادرنا بالقول : أنه كان يريد أن يلم شتات شجاعته أكثر من مرة لكي يحاول الصعود للحاق بالاجتماع المهم ، ويخفق في كل مرة ، ولكن المقسوم حصل! وسألناه بصوت واحد: كيف ؟ قال: كنت أمام المصعد للمرة الألف محاولا اتخاذ القرار الشجاع والتوكل على الله والركوب إلى داخل هذا الصندوق المخيف ، وكنت سأتراجع كالعادة ، عندما انفتح أمامي باب المصعد فجأة، وكان وفد من الناس قد أقبلوا بسرعة عظيمة وبكثافة كالموجة الكاسحة فحملوني معهم إلى داخل المصعد ، وتجمدت من الخوف ولم يمكني المقاومة ، ثم انفتح الباب عند أحد الطوابق وكدت أخرج على أن الزحمة والقادمين الجدد وترددي وخوفي كلها كانت حائلا دون الإقدام على الخروج.. وهكذا من طابق إلى طابق حتى نسيت الخوف تماما ، بل بدأت أتنفس براحة عظمى ، وكأنه فجأة طارت من على قلبي شحنات ثقيلة وضاغطة من الخوف حملتها طيلة حياتي السابقة .. وراح صاحبنا يرقص منتشيا ، ثم أكملنا ما نحن به.. إذن كما ترى ، نحن نحل مشاكل خوفنا بأن نواجهها مرة واحدة وبعزم وشجاعة ، ونعرف أن كثيرا من الرهاب منتشر في مجتمعاتنا مثل الخوف من مواجهة الناس ، أو الخوف من الوحدة ، أو الخوف من السفر ، والخوف من بيئة العمل ، والخوف من أشياء كثيرة قد تعيق الحياة بالفعل إن لم نقف أمامها ونواجهها ، وهناك قصة أحد المصابين بالخوف من إلقاء الكلمات أمام الجمهور ، حتى زج به مرشده فجأة أمام جموع محتشدة ، فإذا هو يرتبك ويرتعش لفترة ثم ينهمر الكلام .. هذا الرجل صار من أكبر وأشهر الخطباء ! كنا قد خرجنا من اجتماعنا ونزلنا بالمصعد إلى بهو الفندق متأهبين للخروج إلى الشارع عندما افتقدنا صاحبنا وإذا هو يجري بعيدا ويصرخ: لقد اشتقت لمصعدي ، سأذهب لأركبه مرة أخرى !!.. @@ د. ناصح