عادة ما أرفع سماعة الهاتف لأستمع لرأي د. أمل الطعيمي مديرة التحرير في مقالتي الأسبوعية، وبصوتها الهادئ وبعد تنفس عميق ( على طريقة الأستاذة نورة الشهيل) تطلق تعليقاً إيجابياً على المقال كان يكون " رهيب"، " حلو"، أو أن يكون سلبياً " لا داعي للأمثلة هنا!!". وعندما يكون المقال رهيباً أو حلواً انطلق كالطفل السعيد الذي استلم للتو شهادة نجاحه وللمرة الأولى في حياته وأبقى سعيدة طوال نهار ذلك اليوم، أما عندما يكون المقال " مش عاجب!! فإنني أصبح نكدة المزاج وأتحسر على إحساس السعادة الذي خسرته لأسبوع. وقد ذقت هذا الإحساس عندما كتبت مقالتي عن " الإساءة الجسدية" فقد أخبرتني أن المقال " ترجمة صرفه وكان من الأفضل أن أكتب مقالتي الخاصة بي ,ارفق بعض الأمثلة من هنا وهناك". وقد ارتعبت لتعليقها ذلك حيث لامس شيئاً عصبياً داخلي كنت أخبئه وأنا أتسلح بكلمات مقالة عن الإساءة الجسدية، وربما تكون قد استشعرت حالة الجبن والنفاق التي كنت أعيشها في مقالتي تلك دون معرفة للأسباب فخرجت المقالة باردة برد الأموات دون إحساس بالحياة ونبضها. وقد ترددت كثيراً لأمسك قلمي هذا الأسبوع ليصرخ لك عزيزتي الأم ويقول (نعم! أعترف كنت أما مسيئة جسدية لطفلها). وقد تنصعق كل قارئة لذلك لكن الحقيقة لا مفر منها ولا نكران وقد تكون كلماتي هذه عبرة لكل أم يلتبس عليها التأديب و التعذيب و التربية و الإساءة وبذلك تكون تجربتي تجربة إيجابية رحمت بها أطفالا وأمهات أبرياء تمر بهم تجارب ليست لهم بها حاجة. أخص اعترافي هذا لكل أم ( وعادة ما تكون تجربتها الأولى بالتربية) حيث تكون الهمة عالية والأفكار مثالية، فلا رضوخ للأخطاء ولا مسامحة مع التجاوزات حتى يكون لدينا أطفال مثاليون نفخر بهم أمام الناس فنصرخ ونقول: هذا ابننا.. وهذه تربيتنا وقد وقعت بكل عفوية وحسن نية وغرور بهذا الإحساس فكانت تجربة مريرة وقاسية لا أحب أن أذكرها مع أنها كانت المرة الأولى والأخيرة لكنها تبقى بأثرها في النفس عظيمة وعميقة لا اذكر بالضبط تفاصيلها ولكن كل ما اذكره إنني في لحظة ما تجردت من أمومتي وإنسانيتي وفقدت السيطرة على نفسي فقفزت كالوحش الكاسر على مخلوق كان الأجدر والأولى أن احرص على حمايته من الأضرار والمخاطر لا أن أكون أنا مصدر ذلك الألم, وآذيته (دون قصد) بطريقة تركت في مكانها أثرا في يده لتذكرني بوحشيتي كل صباح حين يمد يده ليشرب كأس الحليب ,أو ليمسك يدي يودعني خارجا , فهو لا ينفك من تحريكها , وكان يده تناديني (لا تنسي !!) انهرت بعدها وبكيت كثيرا , وبالرغم من عشر سنوات على هذه الحادثة فمازلت ابكي كالطفل الصغير كلما عصفت بي الذاكرة في ذلك الاتجاه وكم مسكت يده التي ما عادت صغيرة فأساله سؤال المستجدي(هل مازلت تذكر لي إساءتي) فيضحك ويقول (أنت تذكرين للحين!!) معتقدا أنني محوتها من ذاكرتي تماما كباقي الذكريات واصبحت عادة لدي ألا أودعه إلا بتقبيلها رغبة مني في أن يسامحني الله على إساءتي تلك. هذه تجربة حية وكلمات صادقة من مجربة نادمة أخطأت ولمرة واحدة وعذاب تلك التجربة مستمر حتى اللحظة فكيف لو كانت إساءة مستمرة أن فيها فشلا ذريعا لأمومة زرعها الله في قلب الحيوان .. فكيف إذا بالبشر وتربية الأبناء؟ لقد أعطتني الحياة والتجارب الكثير من الطرق والوسائل التي أستطيع أن انبه أبنائي بها بأن ما يقومون به خطأ , وأن الخطأ قد يعاقب عليه, فقد يكون الحرمان من زيارة صديقه تأديبا , أو البقاء بالمنزل دون فسحة تأديبا , وقد يكون عدم التجاوب معه تأديبا وبهذا (كفى الله المؤمنين شر القتال) وقد تندهشين عزيزتي الام لو رأيت الاحتجاجات والانتقادات التي أتلقاها من ابني في عدم قدرتي على تربية اخوته , فأجدها فرصة مناسبة لأتكلم له عن جريمتي تلك والتي كانت فاتحة خير لتوقظني وتقول(هنا وكفى).