تقول العرب: القناعة كنز لا يفنى، وأظن انهم كانوا يرون ذلك، لأن صناديق بريدهم، وحمامهم الزاجل، وربما حتى ايميلاتهم لم تكن تقذف إليهم نهاية كل شهر بفواتير واجبة السداد لخدمات وكماليات ينوء بحملها العصبة اولو القوة. بدا لي وأنا أقرأ خبرا من تايلند أن المثل يجب أن يكون (الدلاخة) كنز لا يفنى. والدلاخة كلمة عامية يراد بها البلادة، وأحسب أن لها اصلا في اللغة ففي المحيط: دلخ الإناء: امتلأ حتى فاض، إذا دلخ الإناء فقد خسر البائع. بطل قصتنا القائم بدور الدلخ هو استاذ جامعي ويبدو ان الدال التي تسبق اسمه هي اختصار (دلخ)، لا دكتور، مع الاعتذار من جميع من يقطن الحرم الجامعي من أساتذة ومعيدين وطلاب علم، وموظفي صيانة، وعمال نظافة. صاحبنا البطل تعرض لعملية نصب محترمة ومن النوع اللي عليه القيمة، لأنه انساق لدلاخته، كفانا الله واياكم حالات الدلاخة التي قد تطرأ علينا أحيانا، وفي هذا السياق، اشير إلى أن هذه الحالات لابد من المرور عليها، ولا يسلم منها أحد، فمستقل ومستكثر. أما المسؤول عن انسياق الدكتور التايلندي وراء دلاخته، فهي الثقافة التايلندية، والمناهج بكل تأكيد غير بعيدة عن هذه الثقافة، فهي لم تعلمه يوم كان صبيا أن القناعة كنز لا يفنى، ولا يستحدث من العدم أيضا. أبلغت جهة الكترونية دلخنا الموقر عبر الأيميل بأنه فاز في مسابقة يا نصيب جائزتها فقط 4 ملايين يورو، وارفقت هاتفا للتحقق والتواصل، فلم يكذب صاحبنا خبرا، سحب السماعة وخبط مكالمة دولية، فرد عليه رجل أكد له فوزه في المسابقة، وأرشده الى طريقة لفتح حساب مصرفي في بنك استثماري دولي معين لتحويل المبلغ الذي فاز به، انصاع دلخنا الموقر للتعليمات، فحول النصابون مبلغا الى الحساب، لكن الدكتور لم يتمكن من تحويل الأموال الى حسابه في بلاده، وقيل له بأن عليه أن يسدد ضرائب ورسوما تأمينية ففعل، عندما وجده النصابون من النوع الذي لا يرد يد لامس، طلبوا منه تحويل مبلغ مماثل للمبلغ الأول (47.5 ألف دولار امريكي) مرة أخرى، فاستيقط ذكاؤه الفطري من سباته، وتداعت حاسته السادسة، واحس بحدس بالغ ان وراء الاكمة ما وراءها، لكن بعد خراب مالطة وبانكوك معا!! إذا أردت أن تصبح دلخا مع مرتبة الشرف، فصدق أنك فزت في مسابقة لم تشارك بها أصلا!