ألكسندر لويس ثيرو، روائيٌّ وشاعرٌ وناقدٌ أمريكيٌّ، وُلد عام 1939، كانت روايته "قطة داركونفيل" 1982 السببَ الأولَ في شهرته، والتي تم اختيارها من قِبَل روايات أنتوني برجس التسع والتسعين، كأفضل روايات باللغة الإنجليزية منذ عام 1939، وكذلك روايته "اختيار شخصي" عام 1984. كما حصل على جائزة "لانان" الأدبية للرواية عام 1991، وميدالية كليفتون فيدمان للرواية عام 2002. في كتابه "الألوان الأساسية" الصادر عام 1994، كتب المؤلف بأسلوبه البلاغي الماتع عن التاريخ الثقافي للألوان الثلاثة الأساسية: «الأزرق والأصفر والأحمر» وتوسَّع في وصفها من الناحية الفنية، والأدبية، واللغوية، والسينمائية، والجمالية، وكذلك وصَف أبعادَها الروحية، والعلمية، والطبيعية، والعاطفية. الأزرق: الأزرق لونٌ سحريٌّ، متدرج بين معنى المرض والمنزلة الرفيعة، هو أندرُ الألوان في الطبيعة. إنه لون العمقِ الغائر للسماء، والهاوية السحيقة في الأرض، لون الظلال الجانبية، درجة لونية تجمع بين الدهشة والغموض، لونُ الرغبات، والمعرفة، واللَّحْم النيئ، والكآبة واللامتوقع. إنه اللون المهيب في روما القديمة، والدخان، والتلال البعيدة المترامية، وطابع البريد، والفضيات الجورجية، والحديد المقوى، والأوردة الناتئة تحت الجلد. قيل: إنَّ انبعاث الكبريت الأزرق، ولهب الشمعة الزرقاء يرمزان إلى الأشباح. كما أنَّ السماء الزرقاء المسودة في لوحة فينسنت فان جوخ (1890) "الغربان المحلقة فوق حقل للذرة" كانت تُنذر بقُرب هلاك الرسام. من المفارقة، أنَّ الأزرق هو الوحيد من بين الألوان الذي يمكن أنْ يُرى بشكل فعاّل بالقرب من درجته الغامقة والفاتحة؛ فهو أسودُ بشكل غريب في الليل، وأبيضُ إلى حد مّا في أفق النهار (كما لاحظ فليب لاركن: "الهواء الأزرق الداكن لا يدل على شيء، ولا مكان، ولا نهاية ...") يمكن أنْ يكون أكثر إعتامًاً، وأكثر غموضًا، ويمكن أنْ يطفو ذهابًا وإيابًا مثل الضباب، يستظهر الصفاء والقوة. يعكس الأزرقُ بعضُه البعضَ الآخرَ، فأخذ البحرُ لونَه من السماء، كما تقول هيلين جاكسون في قصيدة "منزلي المضيء": أنظُرُ إلى ضباب المرفأ الأزرق وأرى ارتخاء الخيط السحري المتقلب حين تُلقي السماءُ بعضَ الزرقة ليتلقفها البحر يمكنك القول: إن الأزرق ليس لونًا بقدر ما هو حالةٌ من الضوء. إنه أيضًا فراغ "بساطة بدائية لمساحة لا نهائية، تكون خاوية، تحتوي على كل شيء ولا شيء". "رأيتُ البندقية الزرقاء" كما غناها شارل أزنافور: لا لونَ يخلع نفسه مثل الأزرق إنْ كان ظل المصباح الأزرق أصفرَ فكيف يختلف ظلُّ السماء؟ اسأل الرسام فيرفيلد بورتر عن إحدى قصائده: "هوس الرسام بالأزرق". إنَّ الكلمة تغنى.. تضُمُّ شفتيك للنطق بها كقُبلة، بإيماء بسيط، تنطلق بحرارة من بين الشفتين، وكأنك تطفئ شمعة عيد الميلاد (ألهذا السبب أصرَّ الشاعر آرثر رامبو على أنَّ لون حرف (o) هو الأزرق؟!)، بوضوح بنائي، وحياد ثقافي، ومعلومات عن مفردات لغة لوجبان المصطنعة، فإنَّ كلمة (أزرق) مشتركة في اللغات: الإنجليزية والصينية والهندية والإسبانية والروسية، وكذللك الألمانية، بالإضافة إلى اللفظ الفرنسي. عالم اللغويات المشهور "موريس سواديش" وضع قائمةً بمائة كلمة أساسية (أنا، أنت، هذا، ذلك، واحد، اثنان، لا، رجل، امرأة، كلب، شجرة، يد، عين، رقبة، ماء، شمس، حجر، كبير، صغير، جيد، وهلم جرّا) شملت من بينها الألوان: "الأبيض، الأسود، الأحمر، الأصفر، الأخضر"، ولكنها لم تحوِ "الأزرق". في الحقيقة، ليس هناك كلمات للَّون في اللغة الهندوأوروبية البدائية. العديد من اللغات يفتقر إلى كلمة (الأزرق)، هل معنى هذا أنَّ الناس يشعرون به -بالغريزة- على أنه أقل من لون أساسيٍّ؟! من الواضح أنه ظهر أولًا في حلزون البحر والرخويات لدى الفينيقيين، ليس هناك لونٌ أزرق في كهوف لاسكس: فنانو العصر الحجري استخدموا صبغاتِ أكسيد الحديد، أغلبها باللون البني والأحمر، على جدران الكالسيت. وفي أوقات تالية صنع المصريون الزجاجَ الأزرق من خلال تسخين الرمل، والمياه الغازية، والكلس، وكبريتيد النحاس، الذي تم طحنه لصنع مسحوق لعمل صبغة خشنة غنية باللون. كلما كان الرمل ناعمًا صارتْ درجة اللون الأزرق أفتح. يُطلِق عليه الإغريق (سماوي)، في حين يلقبه الرومان (بكارليس) الاسم الذي لا يزال يُستَخدم اليوم للَّون الاصطناعي الأزرق المخضر المصنوع من الكوبلت. استخدم هيفيستوس في الإلياذة المينا الأزرق في درع آخيل العظيم، وكانت باقات الورود المرسومة على الرخام في اليونان القديمة دائمًا بالأزرق، وكذلك في الحضارة الكيكلادية القديمة. تحمل المنحوتات في اليونان القديمة خلفية زرقاء؛ لتظهر أعمق في نظام التريكليف المعماري. هناك العديد من الأعمال القديمة لخيول زرقاء في أكروبوليس أثينا والقبور في الحضارة الإتروسكانية. عن روما واليونان، كتب ألبرتو سافينو: "كانت اللِّحى الزرقاءُ الداكنة منتشرةً في المنحوتات والتماثيل، وكانت تُعتبر مثالية عن اللحية السوداء، كان كذلك، شعر ذي انعكاس أزرق داكن". كان الأزرق يُستَخدم بوضوح في كل مكان في جداريات بومباي، لكن ليس في الأجزاء الرئيسة في اللوحات. أحيانًا يوضع كلون خفيف في جوِّ المبنى المترائي على بُعد، لكن دائمًا في موقع ثانويٍّ، كما هو اللون الأزرق الفيروزي الذي يُعرَف الآنَ منطقيًا بأزرق المايا، كان يُستخدم لدى حضارة المايا لطلاء الجداريات.