اهتم ابو بكر محمد الرازي في مستهل حياته العلمية بدراسة العلوم الرياضية والفلسفة والكيمياء والموسيقى، ولكنه مالبث ان اتجه الى العلوم الطبيعية فتجلت عبقريته، واعتمد في جميع بحوثه على المنهج العلمي البعيد كل البعد عن الأوهام والطلسمات والخرافات التي لا يقبلها العقل السوي، لذا يعتبره بعض المؤرخين للعلوم في العالم انه مؤسس المنهج العلمي الحديث، والمعروف ان أبا بكر الرازي قد قدم وصفا دقيقا جدا لجميع الآلات التي استخدمها في تجاربه العلمية، كما استعمل مستحضراته الكيميائية في الطب، وعمله هذا قاد في النهاية الى اشراق علم جديد يسمى علم الصيدلة. ويقول أ، ج، براون في كتابه الطب العربي (إن أبا بكر محمد بن زكريا الرازي، يعتبر بحق اعظم علماء المسلمين في الطب والكيمياء، من حيث الأصالة في البحث، والخصوبة في التأليف. إن مسقط رأسه مدينة الري، في بدء حياته كان الرازي مغرما بالموسيقى، فكان عازفا ممتازا على العود، ولكنه لم يلبث طويلا حتى بدأ بدراسة الفلك والكيمياء والطب والرياضيات فصار من اعلام العرب والمسلمين في هذه الميادين). وأضاف ح. هاي في كتابه قصة عباقرة المسلمين قائلا:(إن الرازي تعلم في حداثته الموسيقى، ثم الفلسفة ، ثم الرياضيات والفلك، وعندما كبر تعلم الطب والكيمياء فأبدع فيهما إبداعا مدهشا، وكتب في جميع فروع المعرفة قرابة مائتين وعشرين مؤلفا، وتمتاز كتبه بما تجمعه من علوم الأغريق والهنود إلى جانب آرائه وبحوثه المبتكرة)، ويقول: بنجمس لي جوردن في كتابه الطب في القرون الوسطى وعصر النهضة الاوروبية، باسهامات الرازي الخطيرة كان يعرف بين علماء الغرب باسم (جالينوس العرب). لقد اشتهر ابو بكر محمد الرازي بين المؤرخين للعلوم في المعمورة بمقدرته الفريدة على التصنيف الذي يعتمد على البحث العلمي والنقد والتمحيص، ونكران الأساطير والخرافات لقد بث الوعي العلمي الصحيح بين علماء الشرق والغرب بأسلوب سهل بسيط، ومن ثقته بنفسه وصدقه وأمانته إعترف بصراحة واعتزاز أنه استفاد كثيرا من تجارب استاذه جابر بن حيان الأزدي الكيميائية، والمتواتر عنه أنه كان يعطي كل ذي حق حقه، فعندما كان يستعمل مرجعا هنديا، او فارسيا، أو يونانيا، أو عربيا ينوه عنه في صلب الكتاب. يقول امين خير الله في كتابه (ملخص اسهام علماء العرب في الطب) عرف الرازي بين البحاثة في تاريخ العلوم بنزاهته العلمية، فمثلا عندما يستعمل مرجعا كان يذكره في مؤلفاته، كما كانت عنده ذاكرة عجيبة جدا، فهو يحفظ ما قرأ وقريء عليه، واشتهر بذلك بين طلابه وزملائه كأستاذ يعتبر أحسن مدرس، فهو الكيماوي والطبيب الذي يقضي معظم وقته بين المرضى والطلاب، ويحاول دائما أن يعطي الفرصة لطلابه لعلاج المرضى المراجعين، فإذا كانت الحالة مستعصية يتولاها الرازي بنفسه.