غيب اليقين الإعلامي البارز الدكتور عبد القادر طاش قبل ايام وهو لم يتجاوز الخمسين من عمره إلا بثلاث سنين ، تاركا وراءه ثروة إعلامية متميزة ،حيث كان همه الأكبر أن يؤصل للإعلام الإسلامي الهادف ، ويسخر إمكاناته الهائلة للدفاع عن دينه وأمته ، فكان بحق من رواد الأمة العمالقة في فن ضعف عنه كثيرون. لم يكن عبد القادر طاش يقضي حياته في التنظير الفارغ ، الذي يوهم صاحبه أنه يقدم من خلاله ما يسميه خدمة لدينه وأمته ووطنه ، ولم يكن كأولئك الذين يسبون الظلام ولا يشعلون شمعة واحدة ، ولم يرض أن ينتظر في طابور المتذمرين من تجاوزات الإعلام العربي والإسلامي اليوم ، وضياع هويته في كثير من الأصقاع ، بل تجاوز ذلك كله ، وراح يبني إعلاما إسلاميا فاعلا ، باليد إلى جانب اللسان ، وبالعمل إلى جوار القول ، على أنه لم يكن خطيبا مفوها ، ولكنه كان صاحب قلم نبيل رائع ، سخره في كل ما يرضي الله تعالى عنه. لقد درس طاش بعد تخصصه في اللغة العربية فن الإعلام في جامعتي أوكلاهوما وجنوب ألينوي بالولايات المتحدة عامي 1980 و1983م ؛ ليحصل على مفاتيح هذا الفن ممن برع فيه ، ولكنه لم يتطبع بطابع أساتذته هناك ، بل بقي شامخا بعقيدته مدافعا عنها وفيا لبيئته ، فعاد وهو يحمل هم تسخير ما حصل عليه لخدمة فكره وقضيته ، فرأس قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ؛ الذي يهدف إلى بناء جيل إعلامي متميز بأصالته . وفي عام 1410ه عين نائب رئيس تحرير مجلة (الدعوة) التي كان يكتب فيها مقالاته الرائعة وهو في ريعان الشباب ، ثم أصبح رئيسا مكلفاً لتحريرها ، وفي عام 1411ه ، ثم قدم على تجربة أكثر نضجا ، حين تولى رئاسة تحرير صحيفة (المسلمون ) الدولية الأسبوعية الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر حتى عام 1415ه وفي عام 1414ه ، وفي هذه الجريدة نضجت تجربته الصحفية ، ونجح فيها نجاحا باهرا ، حتى أغلقت الصحيفة لأسباب غامضة . ثم عين رئيساً لتحرير صحيفة (عرب نيوز ) اليومية الصادرة باللغة الإنجليزية عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر إلى عام 1418ه وفي عام 1418ه . ثم أقدم على مشروع مثير للجدل حين قبل أن يكون صاحب فكرة أول قناة فضائية تتسم بتبني الفكرة الإسلامية ، حيث أسس قناة اقرأ الفضائية وعين مديراً لها حتى عام 1420ه وفي عام 1420ه ، وكان في هذه الفترة في ردود مستمرة مع المناهضين لهذا المشروع الذي لم يتفق مع آراء عدد من العلماء في قضايا الإخراج الصوتي وما يتصل بالموسيقى ، ومشاركة المرأة بضوابط . ثم كان المؤسس والمشرف على تحرير ملحق ( الرسالة ) الإسلامي بصحيفة المدينة ، وهو لا يزال بإشراف الأستاذ عبد العزيز قاسم أنجح ملحق إسلامي من وجهة نظري على مستوى الصحافة السعودية ، وربما العربية . ثم أصبح مديراً عاماً للإعلام والعلاقات العامة والمؤتمرات برابطة العالم الإسلامي ورئيساً لتحرير صحيفة ( العالم الإسلامي ) . ثم رأس تحرير صحيفة البلاد اليومية السعودية ، ثم أصبح وكيلا لعميد الشؤون الأكاديمية بمعهد إدارة الأعمال . ثم أسس دار (إعلام للدراسات والاستشارات الإعلامية ). وفي عام 1425ه صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين باختياره عضواً في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان . ولا ننسى أنه ترك ميراثا ضخما من الكتب والمقالات التي تجاوزت الألوف ، والتي تنتظر من يخرجها في موسوعة كاملة ؛ لتنهل منها الأجيال القادمة إن شاء الله . إنه الإنسان الذي لا يعرف أن يبقى متفرجا على ما يحدث ، محوقلا مسترجعا وحسب ، سابا هذا وشاتما ذاك ، بل هو الإنسان الذي يستحق أن يكون ممن استعمره الله في الأرض ليضيف إليها .. هذا ما نحسبه فيه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا . إن من قابل الدكتور عبد القادر طاش يجد نفسه أنه أمام إنسان مرهف المشاعر ، هاديء النفس ، مرتاح الضمير ، ربما لا يصدق أن هذا الهدوء كله يخفي وراءه كل هذه الهمة .. رحمك الله يا عبد القادر .. وجعل الفردوس مأواك ، وخلف الله على أمتنا خيرا .