من منا لم يحلم بيوم يمتلك فيه مشروعا يديره بنفسه؟ يبدع ويبرع فيه ويصبح مديرا ورئيسا لنفسه لا مرؤوسا لآخرين، هذا على المستوى الشخصي. اما على مستوى الدول والمناطق، فتمثل مشكلة البطالة الهاجس الاكبر لكل حكومات الدول العربية، مهددة هذه الدول بعواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة. ويرى علماء الاقتصاد ان العمل الحر هو العماد الرئيس لاقتصاديات السوق وهوالاداة الفعالة لاستثمار ابداعات وطاقات الشباب الذين عادة مايطمحون الى استثمار الفرص المتاحة وتحويلها الى مشروعات صغيرة واعدة. ولما للعمل الحر من الاثار الايجابية الاقتصادية والاجتماعية، يجب على الحكومات العربية تهيئة الاجواء لانجاح ثقافة العمل الحر وذلك من خلال توفير التمويل وتبني افكار المبدعين والمبادرين وتشجيع برامج الغرف والجهات المختلفة لتأهيل وتدريب صغار المستثمرين وتوفير المعلومات والخدمات الارشادية المختلفة. واذا بحثنا في أدبيات الدعوة الاسلامية للعمل الحر لوجدنا ان الدين الحنيف يحث على العمل فيما شرع الله مع عدم التواكل والاعتماد على الغير. وفي حديث للرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا ابوداود قال حدثنا يعقوب بن ابراهيم قال حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب ان ابا عبيد مولى عبدالرحمن بن ازهر اخبره انه سمع ابا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لان يحتزم أحدكم حزمة حطب على ظهره فيبعيها خير من ان يسأل رجلا فيعطيه أويمنعه). روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن أنس قال: قدم عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه المدينة، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الانصاري، فقال له سعد بن الربيع: اختر احدى (زوجاتي) فانزل لك عنها، واختر من مالي ما شئت!! فقال له عبدالرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك، ومالك، دلوني على السوق. لا يريد ان يأخذ شيئا من مال أخيه، ولا من أهله، ولكن دلوني على السوق، فأتى السوق، فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة، عليه طيب خلوف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم ياعبدالرحمن! ما الخبر، ما القصة؟) قال: تزوجت يارسول الله امرأة من الانصار، قال: فما اصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أولم ولو بشاة. ثم تلحظ الدعم النبوي من الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن عوف، ولسائرالمهاجرين والانصار،الدعم النبوي لهم بالتجارة، ولذلك دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، بارك الله لك، وأمره ان يولم ولو بشاة ليطعم المهاجرين والانصار، من طيب الطعام، بما أفاء الله عليه من المال، وبما أنعم عليه من الزوجة. وهذا يذكرنا ايضا، بقصة عروة بن الجعد الازدي البارقي رضي الله عنه وله قصة شهيرة، هي في صحيح البخاري: (ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطاه دينارا وقال: اشتر لي شاة، فذهب واشترى شاتين، ثم باع احداهما بالثمن نفسه، وجاء الى النبي صلىالله عليه وسلم بماله وبشاته، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يضارب في صفقة، الا ربح فيها، حتى اعتقد الصحابة رضي الله عنهم انه لوباع التراب لربح فيه) فأنت تلحظ هنا ايضا، روح الاحترام عند عروة البارقي، والخبرة في التجارة، والتعرف على الاسباب، والبحث عن الفرص، ثم تلحظ دعما نبويا من النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه ان يكونوا اغنياء عن الناس، فقراء الى الله رب الناس جل وعلا. *مستشار تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية