كان عند جابر بن حيان الازدي قناعة تامة ان الكيمياء تستمد خصائصها ومقدمتها من التجارب العلمية الدقيقة وعليه يوصي وبقوة انه يجب على الباحث ان يعرف جيدا السبب في اجراء التجربة العلمية، وان يكون ملما بالتعليمات الضرورية للقيام بها لذا نجد ان جابر بن حيان استعمل ادق الموازين لوزن المواد التي استخدمها في تجاربه العلمية الكثيرة فقد وزن مقادير تقل بكثير عن 1 في 1000 من الرطل التي لا يمكن الحصول عليها الا بجهاز دقيق للغاية فيتضح جليا للباحث اللبيب ان جابر بن حيان كان عنده ميزان حساس يضاهي الموازين الحساسة التي بين يدي علماء الكيمياء في هذه الايام. وصدق عبدالرزاق نوفل عندما قال في كتابة (المسلمون والعلم الحديث): (جابر بن حيان الازدي هو اول عالم في العالم على وجه الاطلاق، استعمل الميزان في تجاربه العلمية اذ اهتم بوزن المقادير التي يستخدمها، واصغر الاوزان اتي استعملها الحبة، وهي تساوي جزءا من 6480 جزاء من الرطل، وهذا المقدار لا يمكن وزنه الا بميزان حساس جدا يقارب ما نستعمله حاليا في المعامل العلمية وقد استخدم علماء الكيمياء في اوروبا الميزان في تجاربهم بعد استعمال جابر بن حيان للميزان باكثر من ستمائة سنة). والحق ان جابر بن حيان لم يشتهر في مجال علم الكيمياء هذه الشهرة العظيمة الا بفضل تجاربه العلمية التي قوامها الميزان الحساس، التي تحتويها مؤلفاته المتنوعة فهو فعلا مؤسس الكيمياء الحديثة (كيمياء جابر). ويقول بول كراوس في كتابه مختار رسائل جابر بن حيان: ان جابر بن حيان بجميع المقاييس من اعظم رواد العلوم التجريبية لانه جعل الميزان اساسا للتجريب وهذا خير اداة لمعرفة الطبيعة معرفة دقيقة. ويكفي جابر بن حيان الازدي فخرا واعتزازا انه نقل علم الكيمياء من مجال الخرافات والخزعبلات الى الاعتماد على التجارب العلمية في المختبرات والبراهين الملموسة. الجدير بالذكر ان منهج جابر بن حيان هو المنهج المتبع في العصر الحديث (في هذه الايام) ويقول زكي نجيب محمود في كتابه جابر بن حيان ويعتبر جابر بن حيان ان اجراءات التدريبية (التجارب) العلمية شرط اساسي للعالم الحق في ميدان علم الكيمياء وبهذه المناسبة يجب ان يعرف القارئ ان جابر بن حيان لم يكن الوحيد الذي ابدع وبرز في ميدان علم الكيمياء بل ان هناك اعدادا هائلة نهجوا وحازوا على شهادة عظيمة الا انه في الطليعة. وقد لخص زكي نجيب محمود في كتابه السابق منهج جابر بن حيان العلمي بالخطوات الآتية: 1- ان يستوحي العالم من مشاهداته فرضا يفرضه ليفسر الظاهرة المراد تفسيرها. 2- ان يستنبط من هذا الفرض نتائج تترتب عليها من الوجهة النظرية البحتة. 3- ان يعود بهذه النتائج الى الطبيعة ليرى هل تصدق اولا على مشاهداته الجديدة، فان صدقت تحول الفرض الى قانون علمي.