في ليلة مثيرة بنادي أبها الأدبي في ملتقاه الشهري ومنذ ظهور الدراسة الانطباعية للكاتب الفلسطيني ممدوح القديري (مبدعون من عسير في القصة القصيرة) والذي أصدره نادي أبها الأدبي وهو محل اهتمام مختلف رواد القصة. وكان القاصون في عسير قد كونوا جماعة للسرد برئاسة رئيس نادي أبها الأدبي ووقع الاختيار على محور اللقاء الشهري الذي يناقش فيه النادي قضية أدبية هامة ان يكون لقاء شهر رجب عن كتاب ممدوح القديري (مبدعون من عسير) الكاتب الفلسطيني الذي عاش ردحا من الزمن في منطقة عسير سراة وتهامة وهو قاص وروائي واستاذ في اللغة الانجليزية. وقد وقع الاختيار على الأكاديمي احمد علي آل مريع عضو نادي ابها الأدبي الذي يحضر لدرجة الدكتوراه في اطروحته (خطاب الجنون في الأدب) والإعلامي والشاعر يحيى الأمير وادار الحوار منسق جماعة السرد في ابها الدكتور محمد المدخلي, وكان خوف أسرة النادي من الحضور خاصة وان جمهور القصة دائما يكون قليلا عندما تنظم الأندية أي لقاء حول القصة ولكن كان الحضور جيدا ونوعيا مميزا وقد استهل مدير الحوار محمد المدخلي اللقاء بكلمة عن النادي ورحب بالحضور وقدم ضيوف اللقاء الشهري بعد ان قال اننا مع وجوه مفعمة بالإبداع والنقد. وأشار الى جهود رئيس النادي في تكوين جماعة السرد بالنادي ثم بدأ المتألق احمد آل مريع المحاور الأول والذي استطاع ان يقدم دراسة تشريحية عن كتاب مبدعون من عسير). وقال آل مريع جرى العرف العلمي عند مراجعة كتاب ما ان يأنس القارىء الى نظرية معرفية يستطيع من خلال اعمال أدواتها المداخلة او المحاورة ليكشف الأخطاء او ينبه على المغالطات من واقع رؤية مؤسسية وموضوعية تبعد عن التخمين والرجم بالغيب والهوى. مضيفا سوف احاول ألا انتقد دون ذكر البديل وألا أرفض أو أخطىء إلا بتقديم العلة والسبب. (2) ووقف آل مريع عدة وقفات عند الكتاب فقال في وقفته الأولى فكلمة مبدعون تميل الى تناول الأشخاص قبل الأعمال, كما ان تقسيم الكتاب من الداخل يعزز ذلك الاستنتاج فالكتاب اذا تجاوزنا مقدماته المعرفية يعتمد على أفراد كل كاتب من كتاب القصة القصيرة مجموعته او مجموعاته القصصية في مبحث مستقل. وكلمة مبدعين حكم يقيني يصعب قبوله باطلاقه على كتاب القصة في عسير, وهذا الحكم لا يبرره صدور مجموعة او أكثر لكاتب أو أكثر لان الإبداع شيء وصدور المجموعات القصصية او محاولة الكتابة القصصية شيء آخر, وفي الوقفة الثانية يقول احمد آل مريع. ان الكتاب اعتمد على مراجع تجاوزها النقد السردي الذي يباشر المنتوج السردي بعامة سواء كان قصة ام رواية ام سيرة. وطلب آل مريع من المؤلف القدير ان يطلع القارىء على الجديد او يسهم في إيجاد خلفية جيدة للقارىء بهدف استيعاب التجربة القصصية في خصوصيتها المتعلقة بالكتاب والمكان في منطقة عسير مثل الاشارة الى تجربة محمد علواني الفنية ومحمد الحميد الزمانية وفي الوقفة الثالثة يقول آل مريع ان الدراسة لم تستطع تجاوز الكشف عن الخصائص الفنية الاجمالية التي يشترك فيها مع القصة في عسير. وفي الوقفة الرابعة اكد أحمد آل مريع ان كتاب (مبدعون من عسير) اهمل نتاج قصص كبيرة ذات قيمة وتأثير يتمثل في تجاهل عدد من المجموعات القصصية ذات التأثير في النتاج القصصي المحلي بسبب ريادتها الزمنية. مثل مجموعة محمد علوان (الخبز والصمت) الصادرة عام 1977م خاصة وانها وجدت احتفاء كبير من كل الرموز النقدية في المملكة آنذاك مثل منصور الحازمي ومحمد الشنطي. وكذلك مجموعة الحكاية تبدأ من هنا الصادرة 1404ه ومجموعة قصصية للدكتور حسن النعيمي (زمن العشق الصاخب) الصادرة 1406ه. وفي الوقفة الخامسة اشار احمد آل مريع الى اهمال المؤلف في ترتيب المجموعات السابقة لكتاب القصة وعدم الإشارة الى الاعمال السابقة. وقد قدم دراسته عن قصص تركي العسيري ومشحبي مما أوقع الكاتب في تهمة الغضي من حضور علوان ومكانته الفعلية في الخطاب القصصي في المملكة عامة وعسير خاصة.. وفي الوقفة السادسة قال أحمد آل مريع جاء القسم التطبيقي من الدراسة اقرب الى المقالات الانطباعية منه الى الدراسة النقدية الجادة ولهذا فنحن لا نستطيع تلقي هذا العمل إلا باعتباره مرحلة أولى للكتابة النقدية, مرحلة القراءة الانطباعية والتفاعل التأثيري بعيدا عن الدراسة النقدية الجادة. وفي الوقفة السابعة يشير المحاور أحمد علي آل مريع الى ان المؤلف ممدوح القديري لم يعتمد في كتابه تاريخا محددا في تقديم الأعمال فمرة يعتمد التاريخ الهجري ومرة يعتمد التاريخ الميلادي وتظهر أهمية توحيد التاريخ في اعتماد المؤلف الأسبقية التاريخية مما قد يوقع في الخلط والاضطراب. "3" وعاب آل مريع على المؤلف القديري قوله كلمة الريادة في المملكة خاصة عندما أشار الى ان محمد الحميد يعتبر من رواد القصة في المملكة لان هناك روادا نشروا القصة القصيرة في فترة سابقة على الحميد وكانت لهم قصص ناضجة الى حد بعيد مثل محمد حسن عواد, وعبدالوهاب عشي واحمد السباعي ومحمد علم الأفغاني, وكمجموعات قصصية أحمد عبدالغفور عطار وابراهيم هاشم خلالي وعبدالرحمن الشاعر, وقال في الختام نقبل الكتاب بصفته جهدا معرفيا انطباعيا ببعض المجموعات القصصية لعدد من الكتاب في عسير لكن لا نقحمه في أتون الكتابات النقدية فذلك ظلم كبير. اما الشاعر والصحفي يحيى الأمير فقد قدم قراءة أخرى ربما تعد أكثر جدية من سابقتها حيث قال: ان هذا الكتاب للقديري مثل بعض كتابات بعض النقاد العرب في الداخل عن المنتج الأدبي السعودي للنقاش من جديد فهي كتابات وحوارات قد لا تعطي أية فائدة أدبية مشيرا الى ان الكتاب عبارة عن توصيات وتوجيهات في الوقت الذي اعتبرها الكاتب دراسات نقدية وقد تجاوزها الزمن وانتقد الأمير خطاب المناطقية أو الجهوية في الكتاب باعتباره اقليما وهنا وان كانت هذه الدراسة الجغرافية ليست الأولى فلها أمثالها في الحجاز ونجد ولكن الأمير قال هذه أمور تجاوزها الزمن. مضيفا ان عنوان الكتاب (مبدعون من عسير) يثير أسئلة في جملته تنطلق في شرعية التناول التجنسي المنسوب الى منطقة او اقليم يمنح كل اقليم ما يكتبه مبدعوه طابعا خاصا وسبقا فنيا لا يتوافر لغيره من الكتاب في أقاليم أخرى. وقال: لا يختلف المبدع العسيري عن المبدع الشمالي او غيره او المصري او المغربي إلا في سمات يسيرة. والكتاب لا يحيل في كثير من اجزائه وموضوعاته على ما يحيل عليه العنوان إلا اعتسافا. ان هذا التقسيم المناطقي والجهوي لدراسة الإبداع يفضي غالبا الى خلل في الرؤية والتصور الذي يقوم عليه البحث وينطلق منه غياب في النتائج التي سيتواصل اليها. وقال الأمير حين يتناول المؤلف وتحت عنوان ملامح القصة القصيرة العسيرية تجده يقول عن تلك القصص معظمها يدور في فلك واقعي مغلف ببعض الحس المأساوي والبعد الاجتماعي المثقل بالهموم الحياتية المختلفة متسائلا ما الميزة التي اخذتها القصة العسيرية في كونها تتحدث عن مناحي الحياة وأي نتيجة عادية مستهلكة يثبتها المؤلف في هذا الكتاب. وقال ان الكتاب ينضم الى قائمة الكتب التي تحاول ان تقرأ المنتج المحلي في ضوء عدم وجود نظرية او رؤية أو منطلق ولا منهج. عدا الكتابة فقط وليذهب هذا الادب الى الغياب. وقال الأمير: ان الكتاب مجرد تناول ضمني وحديث عن الحبكة واللغة والحوار حديث عادي وليس به أية فعالية. اضافة الى ما فيه من تسجيلات ومدائح مجانية لهذا الكتاب او ذاك. واستشهد بمديحه لمحمد الحميد كقوله انه رائد من رواد القصة وهذا ما يتفق مع رأي احمد آل مريع. وفي الختام تساءل الأمير هل قرأ القائمون على هذا الكتاب كل ما فيه وهل يسعون بالفعل الى جهوية ومناطقية في التعامل مع أدبهم وهل يفسر هذا الحميد وشحبي وعلوان والنعمي وماطر وتركي عسيري والسلمي ونادية الفواز ومضواح وفايع وحسن آل عامر, هل يسرهم ان تقرأ نصوصهم هكذا وعلى غير هدى؟ "4" بعد ذلك تحدث صاحب الكتاب ممدوح القديري بعد ضغط من المحاورين فقال: ان كتابي (مبدعون من عسير) في القصة القصيرة إطلالة نقدية على القصة القصيرة في مكان لفت انتباهي لكثرة المبدعين فيه نسبة الى غيره. وبما ان القصة القصيرة مرتبطة بالمكان أكثر من غيرها وتعكس خصوصية وتميز ذلك المكان رغم تشابه التجربة الإنسانية مع اختلاف أسلوب تناولها. ومن هنا جاءت الرغبة في الكتابة عن هؤلاء المبدعين وتوثيق أعمالهم وتوضيح أسلوبهم والفروقات بينهم. وقال لقد اتبعت منهجا سينكرونياو دياكرونيا حسب النقد الحديث مضيفا ان كل مبدع يحتاج الى كتاب, ولكن لم يكن الهدف دراسة بقدر ما هو ارهاصي دون محاولة لاجتزاء النصوص وانتقاد التفسير وعرض وجهات النظر دون مصادرة لتأكيد وجهة نظر ذاتية. وقال ان الأدب إيجاد وإبداع والمبدع حر في إبداعه دون قيد من وجهات نظر اخرى كما ان المتلقي حر في تذوقه أيضا بما يعجب به. (5) وقد انهالت العديد من الأسئلة والمداخلات المختلفة ثم عقب عضو مجلس إدارة نادي ابها الأدبي د. علي سعدابي موسى فقال: اتمنى محاكمة الأطراف الأربعة المحاورين والمؤلف ومدير الحوار فأنا ضد تراكم الأسماء ومع تراكمات البعض. وممدوح القديري بهذا المؤلف احب ان يجامل أبناءه خاصة من رجال ألمع الذين عاش بينهم ولو كنت في لجنة الطباعة والنشر عند عرض الكتب لما اجزته. وقال في عسير وفي مناطق أخرى هناك ما يسمى ب(الفزعة) فلها في تهامة معنى وفي قحطان معنى وفي سراة عسير معنى لكن في رجال ألمع هناك ما يسمى بالفزعة الثقافية فالكل يحلم ان يكون قاصا او راويا او شاعرا وكان عليهم ان يرشحوا مبدعا بدلا من هذا الكم. وقال ان ما قدمه أحمد مريع كمحاور لا يحتمله الكتاب أصلا أما يحيى الأمير فقد جنى كثيرا هذه الليلة عندما ركز على معنى الاقليمية وهو غير محق فيما قاله للجمهور. اما القاص ابراهيم شحبي فقد حيا المؤلف وقال لقد أحس بآلام المبدعين فشاركهم واذا خانه التعبير فلعله يعود لنا بإبداع أفضل واستغرب كذلك مما ذكره يحيى الأمير عن التأليف عن المبدعين في عسير فهناك من كتب عن أدباء الحجاز وشعراء نجد وعن جازان وهكذا وقال بعد هذه الليلة اعدكم بالتريث فيما يخص رجال ألمع.