ظهرت المرأة في ميادين النشاط الفكري شاعرة وناثرة قادرة على ايقاظ انبل العواطف.. كل شيء برعت فيه وساوت فيه الرجل وفاقته الا انها رغم ذلك تسلك على استحياء بعض دروب الادب خاصة الكتابة الساخرة فقلما نجد نصا ساخرا لاحدى الكاتبات.وقد التقت "اليوم" بعدد من المبدعات العربيات على هامش الندوة التي نظمها صندوق التنمية الثقافية المصري وناقشت الموضوع.الكاتبة السوريةسلمى سلمان اكدت ان المرأة العربية هدفها اثبات وجودها ككاتبة يؤمن الجمهور برأيها وكمدافعة عن قضايا وطنها، وبعد ان تصقل خبرتها تستطيع ان تتنقل إلى مرحلة الكتابة المتنوعة من كوميديا وكتابة ساخرة. كما ان هناك سببا آخر وهو ان المرأة العربية عموماً، والكاتبات خاصة، مهمومة بمشاكلها وانها لا تعمل بالمثل القائل "شر البلية ما يضحك" لان المرأة تختلف عن الرجل من زاوية التعبير عن همومها فلا يمكن ان تعبر عن حزنها بشكل مضحك فهي تتجه نحو الهدف بشكل مباشر. وتضيف آمنة النصيري - الناقدة اليمنية - ان التوجه نحو الكتابة الساخرة سيدخل المرأة إلى مآزق تحاول ان تتجنبها.. فالمعروف ان الكتاب الساخرين في الوطن العربي يتخذون هذا النمط من الكتابة للتطرق إلى موضوعات قد تحمل لهم بعض الخطورة كونها تمس المحظورات والمحاذير الاجتماعية والسياسية مثل الحديث عن الدولة والسلطة وانظمة الحكم الديكتاتورية والدين.. وكل ما هو مسكوت عليه بينما المرأة بحكم الظروف الاجتماعية تتجنب هذه المواجهة التي اعتبرها مباشرة حتى وان كانت عبر اللغة الساخرة التي تميل إلى الترميز والاسقاطات المختلفة. وعما اذا كانت اللغة سبباً في ابتعاد المرأة العربية عن الكتابة الساخرة تقول د. نور الهدى النويري استاذة اللغة بجامعة العلوم الانسانية بتونس، ليس هناك لغة خاصة بالمرأة ولغة خاصة بالرجل ولكن هناك موضوعات متعددة يمكن تناولها باساليب مختلفة منها الاسلوب الساخر. فاللغة لا يمكن نعتها بالمؤنث والمذكر.. فقصور المرأة في بعض الاحيان في التعبير بصراحة عن آرائها وافكارها بحرية لا يعود إلى قصور اللغة وانما يعود إلى البناءات الرمزية المتحكمة فيها نتيجة عوامل متعددة فكرية وادبية وثقافية. وتؤكد ان المرأة في ظل همومها لا تستطيع التعبير بالشكل الساخر لانها تريد ان تؤدي رسالتها بطريقة مبسطة اما اللغة الساخرة فهي قادرة على التعبير عن اشياء عميقة وهي وسيلة مراوغة يعبر بها الكاتب عن اشياء ربما تعجز اللغة الصريحة عن ايصالها للقارئ. وتؤكد استاذة المسرح المصرية - رنيا فتح الله - ان ابتعاد المرأة عن الكتابة الساخرة يرجع إلى ان العالم الذي نعيش فيه كدول نامية له مشاكله الخاصة بالنسبة للمرأة مما يجعلها اولاً تبحث عن مكانة لها في الحياة الادبية، اما الكتابة الساخرة فهي مرحلة متقدمة من الكتابة لم تصل اليها المرأة بعد.. حيث ان طبيعة المرأة الشرقية تتسم بتأثرها بالحزن وهموم اسرتها ولذلك تأخذ الشكل التقليدي في الكتابة. وتضيف قائلة نادراً ما نجد نص لكاتبة يصلح لان يناقش على خشبة المسرح فما بالنا اذا كنا نبحث عن مادة ساخرة يمكن تقديمها على المسرح ان ذلك لم يحدث حتى الان مما افقد المشاهد كل شيء كان يمكن ان يثري مناقشة قضايا المرأة على خشبة المسرح. وتعتقد الكاتبة المغربية - ثريا اقبال - ان المرأة تبتعد عن الكتابة الساخرة خوفاً من اتهامها بعدم الجدية والاستهتار مع ان السخرية يمكن ان تكون من اعلى درجات الجدية حيث ان الانسان عندما يكون ساخراً فانه يعني ذلك الشخص الذي عاش وفكر بجدية تامة ولذلك فان الكتابة الساخرة حتى الان كتبتها اقلام رجالية.. فالسخرية والدعابة ضرورية في حياتنا واعتقد ان تناول هذا الموضوع يعطي الفرصة لتحرير اشياء بمنتهى الجدية في قالب لا يخلو من دعابة وطرافة وتشويق. وتؤكد الروائية اللبنانية - علوية الصيح - على ان السخرية تتطلب مرحلة من الوعي والادراك ومستوى من النقد وتجاوز البكائية والاحزان التي تغرق فيها المرأة العربية فهناك فرق بين فرد ضعيف يغرق في البكائية وبين فرد ضعيف يسخر من قوة الاخرين ولذلك يزيد احساس المرأة العربية بكونها مضطهدة بالرومانسية والحزن حيث ان ادب المرأة ما زال يتسم بالغضب والصراخ كمرحلة اولى في مشوار التعبير عن ذاتها. وتؤكد الكاتبة المصرية منصورة عز الدين على ان الكتابة الساخرة تحتاج إلى تجربة وتعمق في البيئة التي يدور حولها النص.. وترى ان من اسباب ابتعاد المرأة عن الكتابة الساخرة هو افتقادها إلى الجراءة التي يحتاجها ذلك النوع من الكتابة وكذلك ارتباط ذلك النوع من الكتابة في اذهان الكثير من القراء بانه تعبير عن التفاهة وعدم الاناقة وتلك صورة لا ترغب أية امرأة في الظهور بها امام الجمهور. وتؤكد على ان القهر الذي وقع على المرأة كان احد اسباب ابتعادها عن الكتابة الساخرة وتفرغها لنيل حقوقها ومع ذلك يمكن ان يجد المدقق بعض الروايات التي تحمل نوعاً من السخرية بداخلها لبعض كاتباتنا الا ان ذلك يتم على استحياء خشية وصمها بعدم مراعاة هموم وطنها فالمرأة تحتاج لكي تصل إلى ما تريده إلى حرية اكبر بكثير مما هو موجود الان. وتتطرق القاصة اليمنية هدى الغطاس إلى ان الكتابة بالنسبة للمرأة هي صرخة توازي البكاء والسخط عما يحيط بها من احداث.. فلا يمكن ان تتناول سخطها بسخرية وتغلفه بمزحة فما وقع عليها من الم وما يقع عليها من اضطهاد يجعلها لا تتجه إلى هذا النوع من الكتابة فهي لا تريد ان تضحك القارئ وتنفس عن الامه وانما الكاتبة العربية تريد ان تحفر بداخله الماً يشبه الالم الذي لديها. وتقول الكاتبة السورية ماري رشو مع ايماني بان هذا النوع من الكتابة واكثرها صعوبة في الوقت نفسه.. لانها تحمل الكثير من الدلالات المبطنة احياناً والمكشوفة في احياناً كثيرة ويجب ان يتمتع الكاتب في هذا المجال بالحس المرهف وسرعة البديهة.. الا ان ما يعانيه الشارع العربي من احباطات يقف حاجزاً امام الكاتبات ويحول مسارهن إلى الكتابة عن تلك الهموم.. فكيف تنتج المرأة نصوص ساخرة وسط تلك الاعصارات والرياح التي تهدد امن ومستقل الامة العربية؟