العِمَامَةُ من لباس الرأس، وجمعها عمائم، وهي من لباس العرب، اشتهروا به حتى قيل: "اختصّت العرب بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشِّعر ديوانها". وكانت العمامة عند الجاهليين بمثابة التّاج عند غيرهم من الأمم، إذ كانوا يرفعون من قدرها ويعلون شأنها، وقد سئل الأحنف بن قيس عن علامات العز والسؤدد في العرب، فقال: "إذا تقلَّدُوا السُّيوف، وشَدُّوا العمائم، واستجادُوا النّعال، ولم تأخذهم حَمِيَّة الجاهلية". وقد كانت عمائمهم تختلف باختلاف أذواقهم وأحوالهم؛ فكان أصحاب الثأر يَعْتَمون بالعمائم السَّوداء، وفي الحرب كانوا يشدون العمائم السود والحُمر، وفي زمن الأمن يجعلونها بيضاء أو خضراء، وإذا كانوا في رخاء وخصب أرخَوها، وهي محلّ اهتمام السادة والأشراف، وكانوا يبالغون في اختيار أصنافها وألوانها أما الفقراء فربما حال فقرهم دون اقتناء الفاخر منها. ولما جاء الإسلام ازداد تمسّك النّاس بها؛ فقد ورد في صحيح الآثار أن العمامة من لبس النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن لبس أصحابه وأئمة المسلمين والسّلف الصالح وكل ذي فضل. وأما عن ألوان العمائم فلم يحدّد الإسلام للعمائم لونًا، وإن كان البياض هو الغالب، لحديث سَمُرة بن جُنْدب -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب وكفِّنوا فيها موتاكم) رواه الترمذي، قالوا: وصيغة الأمر هنا ليست للوجوب إذ ثبت عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قد لبس غير الأبيض، قال الحافظ السّخاوي: رأيت مَنْ نَسَبَ إلى عائشة -رضي الله عنها- أنّ عمامة رسول الله كانت في السَّفر بيضاء وفي الحَضَر خضراء. وعن طول العمائم فإنه لم يثبت في طول عمامة النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث صحيح. وللعمامة فوائد كثيرة؛ فقد سئل أبو الأسود الدؤلي عن العمامة فقال: "هي وقاية في الحرب،حافظة من الحرّ، ومِدْفأة من البرد، ووقار في المجلس، وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وعادة من عادات العرب". يذكر الجاحظ أنواع العمائم ويصنفها حسب المكانة الاجتماعية فيقول: "للخلفاء عِمَّة، وللفقهاء عِمة، وللبقالين عمة، وللأعراب عمة، وللصوص عمة، وللأبناء عمة، وللروم والنصارى عمة، ولأصحاب التشاجي عمة"، ويتضح التفاوت في لبس العمائم ومادة صنعها كلما امتد الزمن وابتعدنا عن فترة صدر الإسلام، فقد بدأ الترف يغزو عمامة خلفاء الدولة الأموية والعباسية، وكذلك عمائم الحاشية من الوزراء والتجار والموسرين كانت من الوشي المطرّزة، أو من الديباج، أو من الخز الذي ينسج من الصوف والحرير، وقد تكون العمامة من الحرير الخالص وحده، وقد تكون من الوبر، وقد تكون مرصّعة بالذهب. قال الشيخ عبدالله ابن جبرين: العمامة لا خلاف أنه لا بد قبل لبسها من مسح الرأس في الوضوء، واشترط أكثر العلماء لبسها بعد تمام الطهارة، أي بعد غسل القدمين، والأقرب جواز المسح عليها إذا لبسها بعد مسح الرأس ولو قبل غسل الرجلين؛ لارتفاع الحدث عن الرأس بمسحه.