ان تفاعل المشكلات الاجتماعية والظروف المجتمعية قد اثرت على فكر الفلاسفة والمفكرين منذ القدم فالمدن الفاضلة والرؤى الفلسفية التي قدمها فلاسفة اليونان مثل افلاطون وسقراط والمسلمين كابن رشد، وابن سينا وكذلك مقولات العمران البشري لابن خلدون واسهامات علماء الاجتماع القديمة والمعاصرة جميع تلك المقولات والافكار والرؤى ساهمت وتساهم في الغالب في فهم المجتمع وتفسير ظواهره ومشكلاته الاجتماعية المختلفة. ان المتأمل في طبيعة تلك المشكلات الاجتماعية المعاصرة يلحظ ودون جهد ان ثمة تحولات طرأت على انماط هذه المشكلات وعلى حجم انتشارها ان هذه المشكلات الاجتماعية الجديدة تعد مؤشرات تساهم في العديد من السلبيات التي تواجه عملية البناء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والعمرانية. ان المجتمع العربي السعودي وخلال العقود الثلاثة الماضية شهد تغيرات وتحولات في بيئة المجتمع، وقد اثرت بدورها على طبيعة الظروف والاوضاع داخل المجتمع ومما لاشك فيه ان هذه التغيرات قد تثمر عن تحولات ايجابية او سلبية في طبيعة البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وقد اصطلح علماء الاجتماع فيما بينهم على تسمية تلك الثمار السلبية لبعض التحولات المجتمعية بالمشكلات الاجتماعية كما ان المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها أي مجتمع انما هي ترتبط بخصوصية هذا المجتمع. ومشكلة انتشار المخدرات بجوانبها الثلاثة (ادمان، تعاطي، اتجار) في أي مجتمع، تعد ابلغ صور الافساد المنظم للمجتمع وواحدة من ابرز المشكلات الاجتماعية ولذا فان النظر الى مشكلة المخدرات على انها مشكلة ترجع الى عجز او خلل في عملية التنشئة الاجتماعية على مستوى الاسرة او المدرسة او لسوء استخدام وسائل الاتصال او الفضائيات في الدعوة الى قيم اجتماعية وانماط سلوكية بعينها او لضعف العقاب او الرقابة الامنية.. الخ، لن يصل بنا بحال من الاحوال للكشف الحقيقي عن اسباب وجذور هذا المرض الاجتماعي الذي يدمر المجتمع من الناحية الاقتصادية والمقدرة على العمل والانتاج وهذا التفسير الناقص يقودنا الى اشكالية احادية النظر لمشكلة المخدرات وغيرها من المشكلات الاجتماعية وبالتالي عدم المقدرة على فهمها وتفسيرها ومن ثم علاجها.. ان تعاطي المخدرات وغيرها من المشكلات الاجتماعية ليست ظاهرة اخلاقية او نفسية منعزلة، وانما هي مشكلة اجتماعية وليدة خلل عام يصيب المجتمع ومؤسساته المختلفة، وبالتالي يتطلب من مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية التكامل في التعامل وعمل السبل الاحترازية في مواجهة هذه المشكلات فكل منها عليه مسؤولية ووظيفة محددة تتكامل ولا تتعارض مع ادوار الآخرين (افراد، مؤسسات، مجتمع). ونحن في هذا اليوم الدولي لمكافحة المخدرات لا يسعني الا الدعاء الصادق والمبارك لجهود حكومتنا الرشيدة وفقها الله ورعاها التي تعد من الدول القلائل التي حققت نجاحات عظيمة في الحد من ظاهرة المخدرات في المجتمع وذلك من خلال الجهود المميزة في العلاج والرعاية والدعم والتوجيه والاصلاح وكذلك في وضع السبل الاحترازية الوقائية لمكافحة هذه الظاهرة وذلك من خلال الاخذ بالنهج الشمولي التكاملي في المعالجة والطرح. مدير مركز البحوث بكلية الآداب جامعة الملك سعود