هناك برزخ كبير بين الفلسفة والعلم، فالفلسفة تعني الحكمة او طلب المعرفة، وهي تتخذ التأمل والاستدلال (deduction) مطية لها من اجل الوصول الى الحقيقة، بينما العلم يتخذ التجربة والاستقراء (induction) وسيلة لذلك.. ونحن - العرب - في هذا الزمن ربما اهملنا التجربة والاستقراء في كثير من مناحي الحياة، واخذنا نتفلسف كثيرا في كتاباتنا، ودخل البعض منا في جدل بيزنطي لا ينتهي على الفضائيات، واهمل البعض منا العلم المبني على التجارب واستشراف المستقبل، الذي ابدع فيه اسلافنا الافاضل، الا انني وجدت بصيص امل هذه الايام في ابداعاتنا، فنحن قمنا بالفعل بتجارب حية متنوعة ومختلفة لكنها - مع الاسف - تتعلق بضرب الطلاب، واعني هنا ان لنا تجارب (رائدة) في لطم الوجه، وجلد الرجلين (الفلكة)، ورمي الكتب والدفاتر في وجه الطلاب، وشتمهم وضربهم بالمسطرة على الرأس وسائر البدن.. هذه تجارب وقعت، وكانت قائمة منذ أمد غير بعيد، ولا يمكن انكارها، فنحن لم نبدأ بالتجارب في عصرنا الحديث (في غير الضرب) إلا متأخرين. المهم هنا هو ان نتائجنا في الضرب كانت (رائعة) وربما ان الدليل على ذلك هو ان معظم ابناء الجيل الذي تعود على العصا هو الجيل البارز والناجح هذه الايام، وهذه ليست قناعتي فقط.. بل هي قناعة موجودة لدى الكثيرين، هل انت مقتنع من ذلك - عزيزي القارئ - ام انت من الذين يرفضون كل ما يتعلق بنقد الذات؟. بالطبع انا لا ادعو الى الضرب المبرح القاسي، كما لا ادعو الى منع الضرب تماما، بل ينبغي الا نبسطها كل البسط ونترك الحبل على الغارب مما قد يجعل المدرسة تفقد هيبتها وجلالها، ويفقد المعلم احترامه وحضوره في المجتمع، كما اننا يجب الا نجعلها مغلولة، ونقوم بإهداء كل معلم عصا غليظة ونقول: (العصا لمن عصى)، ونتحول الى مجتمع قهري في المدرسة والبيت والشارع. هناك نظرية قديمة تقول: ان اي عقاب بدني للطفل مضر، وهناك نظرية اخرى جديدة تقول: ان العقاب بالضرب بين الحين والاخر لا يؤدي الى اضرار طويلة الامد للنمو النفسي والاجتماعي للطفل، وصاحبة هذه النظرية الجديدة هي الاخصائية النفسية الامريكية (ديانا بومريند)، اعلنت نظريتها هذه في سان فرانسسكو في الولاياتالمتحدة أمام الجمعية الامريكية للطب النفسي، وذلك بعد تجارب كانت قد قامت بها على اكثر من 100 عائلة، وتقول (ديانا): (لم نجد دليلا على وجود تأثير ضار فريد للعقاب البدني العادي، انني لا ادافع عن العقاب البدني ولكن الادلة لا تبرر الرفض التام لاستخدامه). وهنا يأتي بيت القصيد.. واعني هل سنظل نتفلسف في كتاباتنا وننظر دون ان نلتفت الى التجارب العلمية كما كان اسلافنا يعملون؟!.. وهل سنعيد العصا الى المعلم كي يساعد في تربية ابنائنا، ام نحن قوم لا نجيد التعامل مع العقاب والثواب؟!.. واخيرا.. ومن منظار القرن الواحد والعشرين هل ستظل الفلسفة مهيمنة كما هو حالها في العصور السابقة، ام سيكون هناك دور للعلم التجريبي في حياتنا؟. اذا كان ذلك ممكنا فلتكن تجاربنا في غير (التجارب في ضرب الطالب)، فالبدائل كثيرة وممكنة وموجودة!.