حفلت الصحافة الامريكية ووسائل اعلامها طوال الاسبوع الماضي بتذكير الادارة الامريكية بالصعوبة التي تواجهها الآن في سبيل تحويل العراق لبلد ديموقراطي كهدف اعلنت عنه والتزمت به، وان صح التعبير لم يكن ما استعرضته وسائل الاعلام تذكيرا بقدر ما كان تحديا وصل لحد التعجيز واعلان حالة الاستحالة بتحقيق مثل هذا الهدف على ضوء المشاهدات اليومية التي تلت اعلان توقف العمليات العسكرية، مما سيشكل ضغطا كبيرا على الادارة فيما لو تزايدت حدة الانتقادات، وقد يدفع بالادارة الى انهاء تواجدها في العراق قبل اتمام الهدف. فمازال مراسلو وسائل الاعلام الامريكي قابعين في مدن بغداد ينقلون صورا حية لحجم الدمار الشامل الذي عم العراق لا من اثار القصف الجوي فحسب بل من اثار حكم النظام البائد، تلك الاثار التي تركت المجتمع العراقي يحمل من مؤهلات الطرد الديموقراطي اكثر مما يحمل من مؤهلات الجذب، وكأن طبيعة الشخصية العراقية الحادة لم تكن كافية وحدها كي تتعارض مع عامل قبول الرأي الاخر كشرط من شروط الحالة الديموقراطية حتى تضاف لها تلك الجرائم البعثية التي هشمت عظام البنية الوحدوية العراقية، بايجاد حالة من العداء والشك والريبة بين افراد الاسرة الصغيرة الواحدة، وتترك ارثا من الثارات القابعة تتحين فرصة الانقضاض، وتترك العديد من الاسر العراقية مع صور المقابر الجماعية والسجون والقائمة المتزايدة لاسماء المفقودين في حالة من الضياع يبحث فيها كل بيت عراقي عن بعضه بعضا. فان كانت الادارة الامريكية تتحدث عن (ديموقراطية) بالمعنى الذي تعرفه ونعرفه، فنحن لا نتحدث عن انتخابات تجري في يوم ما تشكل على اثرها حكومة منتخبة فحسب، نحن نتحدث عن ساقين لا يمكن السير بدونهما (الثقافة) الديموقراطية زائدا (الادوات) الديموقراطية، اي اننا نتحدث عن استقلال قضائي ومؤسسات مدنية، وقوانين منظمة كقانون الصحافة، وقانون الاحزاب، وسلاح منزوع و.. و اي ادوات ديموقراطية يجب وضع حجر اساسها، ثم نتحدث عن تعددية وتسامح وتقبل الاخر ومعايير اختيار تقوم على اسس الكفاءة الميدانية لا الدينية ولا الحزبية ولا العشائرية، اي عن ثقافة شعبية ديموقراطية تؤازرها تلك الادوات الديموقراطية، فان كانت مهلة السنة او السنتين غير كافية حتى لتجهيز تلك الادوات فهل ستكون كافية لتأصيل تلك الثقافة؟ ان اعمار العراق ونحن نتحدث هنا عن مبان ومشاريع انشائية ستستغرق وقتا اطول، فما بالكم والهدف هو وضع اسس البنية الديموقراطية؟ سؤال الاجابة عنه تبدو صعبة جدا بالتأكيد، سؤال لابد ان يأخذ في اعتباره ان الضغط العراقي والعربي والدولي وحتى الضغط الامريكي للرأي العام والدافع لسرعة خروج الامريكيين من العراق سيتعارض حتما مع الوقت اللازم لتحقيق مثل هذا الهدف، لذا فالامر الوحيد الذي سيحسم سرعة او بطء وامكانية او استحالة تحويل العراق لبلد ديموقراطي نموذجي في المنطقة هم العراقيون وحدهم لاغيرهم بالرغم مما يخططه لهم الآخرون، وهذا امتحان لهم ندعو الله ان يوفقوا فيه. كاتبة بحرينية