حتى لا يقع النظام العراقي من جديد في خطأ تقديراته السياسية فان انقسام الدول الكبرى داخل مجلس الامن الدولي حول حسم الازمة العراقية عن طريق التدخل العسكري لن يدوم طويلا, وقد اتضح ذلك بجلاء من خلال فعاليات القمة الاوروبية الطارئة في بروكسل مساء امس الاول, حيث أجمعت القمة على ان عمليات التفتيش لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية, وقد حذر عنان بغداد بعد هذا الاجماع من ان مجلس الأمن قد يقرر عند الحاجة انه يضيع وقته, وازاء ذلك فلا مجال لاستثمار اجواء الحالة الباردة حاليا للقفز على القرار الأممي 1441 أو التلاعب في بنوده, فان كانت بغداد سمحت لاول مرة بتحليق طائرة التجسس الأمريكية (يو 2) التي استأجرتها الاممالمتحدة في اجوائها بعد تمنع, فان الاحوال الراهنة الخطيرة تحتم على القيادة العراقية ان تقبل فحوى القرار الأممي دون قيود او شروط لتنأى بالشعب العراقي عن مغبة الدخول في دائرة حرب افرازاتها السيئة لن تنعكس على سيادة وأمن وسلامة العراق وحده دون سائر دول المنطقة, بل ان انعكاساتها ستطال الولاياتالمتحدة نفسها باحتمال تفريخ بؤر توتر داخل أراضيها وتهديد مصالحها خارج حدودها, ان ركنت الى الحرب منفردة, وهو امر لايصب في رافد مصلحتها وهي تقوم حاليا بتزعم حملة طويلة الأجل لاحتواء ظاهرة الارهاب, كما ان المبادرة الروسية بنشر طائرات تجسسها في العراق للكشف عن اسلحة الدمار الشامل تؤكد ان مواقف الدول الكبرى لا تحبذ استمرارية الاجواء الباردة في المنطقة, فإما عمل عسكري لنزع تلك الاسلحة بالقوة أو الكشف عنها لتجنب العراق مغبة الدخول في الحرب, كما ان القراءة الخاطئة للتظاهرات التي خرجت الى شوارع العديد من عواصم دول الشرق والغرب تعبيرا عن المعارضة للحرب لا يمكن ان تحول دون تطبيق قرار أممي إن أجمعت على تطبيقه الدول الكبرى داخل مجلس الامن صاحبة الحق في التصويت, وهو أمر قد يحمل عنان خارج دائرة المواقف الانسانية ورفع الشعارات في حالة تصلب القيادة العراقية واصرارها على اخفاء ما يجب اشهاره امام المفتشين الدوليين الى وقف مهمة التفتيش, وهي لحظة خطيرة يجب على العراق التنبه الى اشاراتها, فهي تعطي الضوء الاخضر ليس للولايات المتحدة بل للدول الكبار التي انقسمت داخل مجلس الامن الى التحرك عسكريا لتسوية الأزمة بالقوة, والخسران في هذه الحالة يقع على العراق, ولا تلام الولاياتالمتحدة في هذه الحالة ان كان التصويت جماعيا باستخدام لغة القوة تدشينا لمصداقية مجلس الامن, لاسيما ان قمة بروكسل الطارئة كانت واضحة في تحذيراتها للعراق بأن عمليات التفتيش لن تستمر الى ما لا نهاية, بما يلمح الى أن الحرب قد تتحول اذا نفد الصبر الى خيار أخير.