سألت نفسي قبل كتابة المقال: هل أنا مؤهلٌ للجلوس على كرسي الوعظ وإسداء النصيحة لكل من يقرؤوها؟ ثم هونت على نفسي ببعض العبارات، تماماً كما يحدث مع أحدنا عندما يهم بأمر ثم يفعله على استحياء، ومصدر قلقي هذا هو أنني متأكدٌ بأن من بينكم من هو أكثر خبرةً وتجربةً وأكبر قدراً ومقاماً؛ لذا فنصيحتي له أشبه ببيع التمر على أهل المدينة! أما عن السبب الآخر الذي يدعوني للقلق من ألا تلقى عباراتي هذه مكاناً في أنفسكم؛ هو أنني لا أود أن مكرراً لما يقوله الآخرون، أو حتى لما قلته أنا في مقام سابق، خصوصاً ونحن نتحدث عن مناسبة متكررة هي بداية العام الهجري الجديد، لذلك سأعتبر مقالي هذا من باب التذكير فقط، وكم نحن محتاجون لأن نذكّر بعضنا، ونتناصح فيما بيننا. فمع بداية العام الهجري الجديد الذي أتمنى أن يكون عام خير علينا جميعاً، أود القول لكل من يقرأ هذا العبارات: لا تظن أن كل ما يحدث معك أو مع غيرك هو نوعٌ من العبث، فتلك أمورٌ مقدرةٌ لنا جميعاً، وهذا من المعلوم طبعاً، ولكن الذي يجهله الكثير منّا، أو يغفل عنه، هو أن تلك الأمور التي تحدث لنا جميعاً هي مؤشراتٌ حتمية لما يجب أن نقوم به وما يجب أن نبتعد عنه، فلا مجال هنا للمكابرة، أو التغابي، أو الاستمرار في الطريق الخطأ، ونحن قد أمرنا في القرآن الكريم بأن نتبصر في أنفسنا، وندرك حقيقة الحياة الدنيا والآخرة، وأن نعمل بما يرضي الله وننتهي عمّا نهانا الله عنه. لذلك فالجلوس مع أنفسنا ومراجعتها ومحاسبتها في نهاية كل عام، ومعاهدتها في بداية كل عام جديد على التغير للأفضل، واكتساب العادات الإيجابية الجديدة، وتوديع العادات السلبية مع كل عام منصرم، وكم هو مؤسف حقاً أن تمضي بنا سنوات العمر في اللهو واللعب، ثم نكتشف في أواخرها أننا قصرنا كثيراٌ في حق أنفسنا، وكان بوسعنا أن نكون أفضل بكثير مما كنا عليه، ثم نهوّن على أنفسنا بعبارة: "أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل". وحتى لا أكون مملاً وثقيلاً بوعظي عليكم فقد قررت ختم المقال بسؤال واحد فقط، أتمنى أن تسألوه أنفسكم وتجيبوا عليه في دواخلكم بلا مجاملة ولا مكابرة: هل تعتبر كل ما حصلت عليه في حياتك عادياً حتى هذه اللحظة؟ إذا استطعت الإجابة على هذا السؤال فستدرك أموراً كثيرة كنت غافلاً عنها، وإن كابرت ولم تجب بالإجابة الصحيحة أو تهربت من مصارحة نفسك، فهي دعوةٌ لك من الآن لتقدير الأشياء، والتأمل في حقيقتها، والتعامل معها كما يجب لا كما تحب. أتمنى لكم عاماً سعيداً.