شهورٌ قليلة مرت على بداية انتشار فيروس كورونا في العالم، عشنا خلالها العديد من المشاعر وعايشنا كذلك العديد من اللحظات الفريدة التي من المؤكد أنها لم تمر بأحد منّا في وقت سابق، وفي ظل هذا الزخم الذي يلف العالم لا شك بأننا جميعاً تعرضنا لرسائل بعضها ذات جدوى، والبعض الآخر يدل على ضحالة فكر من أنشأها ومن مررها، إذ من المفترض أن يكون الجميع على قدر المسؤولية وتحديداً في هذه الأزمة التي ألقت بظلالها على العالم بأسره، ومن يخرج عن هذا السياق علينا أن ننظر إليه من زاوية التفكّر والنصح، ونعود بالذاكرة لمن أراد غرق السفينة مدّعياً أنه يقوم بشق الجزء الخاص به منها فقط. وهناك العديد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية والمقولات المعبّرة بإمكاننا أن نسقطها على ما يحدث حالياً في العالم، ثم نزداد يقيناً بأن إرادة الله وقدرته ماضية في هذا الكون، وأن كل ما يحدث بتدبير الخالق سبحانه، فعندما تشاهد الناس في حالة نفور وتباعد من بعضهم خوفاً من انتقال العدوى يتبادر إلى أذهاننا قول الله تعالى: }يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{، وعندما تشاهدهم يلتزمون بالبقاء في المنازل أو المدن خوفاً من مخالطة غيرهم من المصابين أو احتمالية تعرضهم لعدوى منتشرة في بعض الأماكن المزدحمة بالبشر مثل المطارات، والمساجد، والأسواق تتذكر قول الله تعالى: }وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ{، تم نتذكر الآية الأخرى التي يقول الله عز وجل فيها: }وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{ وقوله تعالى: }وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا{، ولا شك بأن الأمراض والأوبئة جندٌ من جنود الله وآية من آياته. ومن المقولات المعبّرة في هذا الجانب قول الكاتب المصري مصطفى محمود رحمه الله: “حتى الألم لم يخلقه الله عبثاً؛ وإنما هو مؤشر وبوصلة تشير إلى مكان الداء وتلفت الانتباه له”، وهنا يتحدث الكاتب عن الألم الذي ربما يصيب الإنسان في جسمه أو في جزء منه، فكيف إذا كنّا نتحدث عن وباء يلف العالم ويصيب الآلاف ويقتل الآلاف أيضاً، لا شك بأنها دعوة للتأمل والعودة للطريق الصحيح. ويقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور: “تضحية المرء بصحته في سبيل أي نوع آخر من أنواع السعادة هو أكبر الحماقات”، ولو أخذنا هذه المقولة المعبّرة وأسقطناها على بعض التصرفات التي يقوم بها المخالفين للقرارات التي تتخذها الدول من أجل حماية مواطنيها؛ لوجدنا أنهم فعلاً حمقى، فلا يوجد وصف أبلغ من ذلك عندما نتحدث عمن يخرج خلال فترة حظر التجول بهدف التسكع وتحدي الأوامر، وكذلك الحال بالنسبة لمن يذهب للأماكن المختلطة غير آبه بالتعليمات والتحذيرات، أو يتعمد الالتقاء بأصدقائه خلال فترة المنع ضارباً بأوامر الحكومة ونصائح الأطباء عرض الحائط. والواجب علينا ألا ننتظر الأزمات حتى تحل بالعالم لكي نصحح أخطاءنا، وألا ننساق بدون إرادتنا ونعيش حياتنا كما يريدها الآخرون، فمن لا يخطط لحياته سيصبح من ضمن مخططات الآخرين، وعلينا أن نستفيد من كل تعثر يصيب العالم من حولنا لنذكّر أنفسنا وغيرنا بأهمية التخطيط الصحيح والأهداف الواضحة في عصر أصبحت السمة العظمى فيه السلبية والمادية.