في العقد الأخير من القرن العشرين ظهر مفهوم الخصخصة كتوجه سياسي اقتصادي نحو إشراك القطاع الخاص في تحقيق التنمية وللحد من المسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة من خلال الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وقد انتشر المفهوم ليشمل أكثر من مائة دولة حول العالم، وقد صاحب المفهوم مراحل تطوير متنوعة ومختلفة وفق البيئة التي تبنت المفهوم وتطبيقه. وحينما أتذكر رسالتي للماجستير التي كانت بعنوان "اقتصاديات التعليم في ضوء إعادة الهندسة" فقد تناولت موضوع حديث في حينه الا وهو إعادة هندسة العلميات الإدارية "الهندرة" ودورها في اقتصاديات التعليم، حيث وجدت أن أحد الأسس التي تقوم عليها إعادة هندسة العمليات الإدارية هي إسناد عمليات الخدمات التعليمية للقطاع الخاص من أجل تقليل الكلفة وتجويد الأداء وسرعة الإنجاز. ومع انطلاقة رؤية المملكة 2030 الطموحة، كان أحد برامجها الخصخصة أو التخصيص، وأصبح الكل يتحدث عنها وكأنه خبير بها، لدرجة أن بعض من تحدث عن الخصخصة قام بتشويه المفهوم؛ مما كان له ردة فعل عكسية لدى أفراد المجتمع. وفي 24/ 4/ 2018م أطلق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان برنامج التخصيص، أي بعد عامين من إعلان رؤية المملكة 2030، ويأتي المقال العلمي التالي حول الخصخصة ليضع النقاط على الحروف لمفهوم الخصخصة. تعددت وتنوعت مفاهيم الخصخصة باختلاف فلسفتها وباختلاف أدواتها ووسائلها، فقد عرف البنك الدول الخصخصة بأنها زيادة مشاركة القطاع الخاص في إدارة وملكية الأنشطة والأصول التي تملكها الحكومة. والخصخصة "PRIVATIZATION" هي نقل ملكية أو إدارة نشاط اقتصادي أو خدمي جزئياً أو كلياً من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وباستخدام الوسائل الملائمة للتحول من إدارة أو ملكية المشروعات. والخصخصة وسيلة أو أداة لتفعيل برنامج إصلاح اقتصادي شامل ذو محاور متعددة بهدف إصلاح الأوضاع الاقتصادية. وينبغي أن يتزامن مع تنفيذ برامج الخصخصة تنفيذ برامج أخرى متوازنة ومتناسقة تعمل كل منها في الاتجاه العام، وأن يواكب تطبيق الخصخصة تغييرات جذرية لمفهوم وفلسفة ومسؤولية الدولة من إدارة الاقتصاد والدورالسياسي والاقتصادي والاجتماعي تجاه المزيد من المشاركة للقطاع الخاص. وللخصخصة أساليب مختلفة متنوعة يحددها الهدف من التخصيص، ويمكن بيان تلك الأساليب عموماً على النحو التالي: – بيع وحدات القطاع العام (حيث تطرح الحكومة أسهم المشروع العام في سوق الأوراق المالية أو بتحويله إلى مشروع مشترك). – طرح المشروع العام للبيع لصالح مجموعة من المستثمرين أو مؤسسات خاصة من خلال المزادات أو العطاءات أو السماح للعاملين في الشركة بشراء أسهم الشركة أو تملكها. – عن طريق نظام الصكوك أو الكوبونات الذي يتم بموجبه توزيع كوبونات على المواطنين تمنحهم ملكية عدد من الأسهم. – خصخصة الإدارة، حيث تبقى ملكية رأس مال القطاعات والشركات في يد الدولة في حين تتنافس وحدات القطاع الخاص للحصول على عقود تخولها حق الإدارة لحساب الدولة مقابل مزايا معينة كحصة في الربح أو الإنتاج. – تنظيم القطاع أو السماح للقطاع الخاص بمزاولة نشاطات يحتكرها القطاع العام؛ بهدف توسيع درجة المنافسة وتحسين الأداء وسرعة الخدمة وإزالة القيود التي تحول دون دخول القطاع الخاص لبعض الأنشطة، ويؤدي بمرور الوقت إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص دون الحاجة لتغيير ملكية المنشآت العامة. والتحول نحو التخصيص يسعى لتحقيق أهداف متنوعة تخدم قطاعات التنمية المتنوعة والمؤسسات المختلفة وأفراد المجتمع منها: – زيادة المنافسة وتحسين كفاءة الأداء. – توسيع قاعدة الملكية الفردية للأشخاص. – تحسين الجودة في الإنتاج ضمن وجود إطار تنظيمي توفره الدولة لحماية المنافسة. – تنشيط وتطوير أسواق المال. – تخفيض العجز المالي للحكومة وتحسين ميزانية المدفوعات. – خلق المناخ المناسب للاستثمار؛ بهدف تشجيع الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي. – تحقيق التوزيع الأمثل للموارد في المجتمع. – رغبة الدولة في التفرغ للقيام بدورها في المجالات السيادية الأساسية كالأمن والدفاع والقضاء والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات ولا يمكن للخصخصة أو برامج التخصيص أن تنجح دون أن تراعي المتطلبات التالية: – أن تكون قرارات التحول نحو الخصخصة مبنية على دراسات علمية دقيقة. – تعديل التشريعات القانونية والنظامية ذات الصلة بعملية الخصخصة ضماناً لوجود اتساق وانسجام تشريعي بعيداً عن الازدواجية والتناقضات. – التنوع في استخدام التحول نحو الخصخصة، واختيار أدوات وأساليب تتناسب مع حالة المشروع أو المؤسسة المزمع تحويلها إلى القطاع الخاص، دون الالتزام بشكل أو وسيلة ثابتة لكل المؤسسات. – اختيار الوقت المناسب للخصخصة من حيث وجود بيئة اقتصادية مستقرة بعيدة عن التضخم وعدم استقرار الأسعار. – التدرج في إتمام عملية الخصخصة تؤدي إلى نتائج إيجابية، والتسرع يؤدي إلى كثير من الفشل في تحقيق الهدف من الخصخصة. – تحديد مبادئ توجيهية واضحة من قبل الحكومة للمحافظة على حقوق الموظفين. – الموازنة بين الملكية الأجنبية والمحلية؛ ضماناً للمصلحة العامة. – توفير الرقابة الصارمة على عمليات تقييم الأداء لضمان عدم الفساد. – وضع تشريعات وتنظيمات لمنع الاحتكار. – ضرورة إشراف الحكومة على الخصخصة أويتم اسناد الإشراف إلى وزارة أو جهة واحدة داخل الحكومة لتوحيد السياسات وعدم تضارب المصالح أو تناقض القرارات. – إجراء تقييم دوري ومنتظم للنتائج المترتبة على عمل المؤسسات والشركات العامة التي تم خصخصتها قبل الإقدام إلى المزيد من الخصخصة. الخصخصة برنامج كبير يحتوي على عدد من البرامج التي هدفها تحقيق الأهداف التنموية الاستراتيجية، ونجاحها يتوقف على عنصرين رئيسين الأول القيادات المسؤولة عن برامج التخصيص ومدى قدرتها وفهمها لبرامج التخصيص، والثاني توفر متطلبات تطبيق الخصخصة. أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي المشارك