كشف إعفاء وزير الخدمة المدنية السابق خالد العرج، من منصبه، وإحالته للتحقيق، وتشكيل لجنة لمحاكمته، عن جدية حكومة خادم الحرمين الشريفين في مواجهة الفساد، مهما كانت درجة منصب ومكانة المتسبب أو من يساعد على ترك هذه الآفة تنخر في جسد المجتمع، دون أن يكافحها، ولا يجعلها تدخل بيته أو أسرته، حتى لا يقع تحت طائلة المحاسبة والمحاكمة وفقا للقانون. ولأن القيادة الرشيدة تعلم جيدًا مدى خطورة هذه الآفة، وإنها إذا ما تمكنت من المجتمع ضربت أهم مفاصله المتمثلة في مصداقية وشفافية الحكومة مع الشعب، كان القرار سريعًا، ومن دون تردد. فالوزير قدوة، وكان أولى به تطبيق القانون على نفسه وأسرته قبل أن يطالب به الآخرون. وعلى الرغم من أن الحالة فردية تخص وزيرًا بعينه قام بتعيين ابنه حديث التخرج وبراتب 21 ألف ريال، وليس الحكومة كلها، إلا أن سقوط ابن الوزير في مصيدة السوشيال ميديا (مواقع التواصل الاجتماعي)، وتحوله إلى مادة لافتة وجذابة في "تويتر وفيس بوك"، لم يمنح الوزير فرصة الدفاع أو توضيح الحقائق، كما لم يسلم الوزير من اتهامات العالم الافتراضي الذي بدأ، وسط الثورة الإلكترونية يقوم بدور القاضي والجلاد معًا، ولا ينتظر انعقاد لجان التحقيق، فهو في الغالب جاهز باتهاماته وبالعقوبة، ولا يقبل بغير ذلك بديلًا. ومع أن هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، لم تجامل الوزير، وأن الحالة تبقى فردية، إلا أنها فتحت ملفًا شائكًا، لطالما طالبت به فئات عريضة في المجتمع، تضررت من المحسوبية والوساطة، ولا سيما في مجال توظيف الشباب من الجنسين، وذهاب بعض الوظائف المهمة كما يقول نشطاء التواصل الاجتماعى إلى أبناء وبنات المحظوظين، وذوي القربى. والخطير هنا، ليس في مسألة تعيين من لا يستحق فقط، كما يؤكد المواطنون الذين استحسنوا قرار الإعفاء ولكن في أن الشاب تم تعيينه على وظيفة أكبر من إمكانياته، ولا تتوفر فيه شروطها، فبدت الحالة صارخة، فالشاب ليس متميزًا ولا صاحب مهارة خاصة، وخالف والده الوزير ثلاثة شروط، لتوظيف ابنه، أولها، صغر السن، وانعدام الخبر السابقة، وعدم إجراء مفاضلة بين ثلاثة موظفين، ومن ثم جاء التعيين كما يرى عامة الشعب على حساب أصحاب الكفاءات والخبرات والمتميزين والمتفوقين علميًا وفنيًا. وبغض النظر عما ذكره وزير الخدمة المدنية السابق واتهامه للموظف السعودى بشكل عام بأنه لا يعمل إلا ساعة واحدة في اليوم؛ مما جعل المواطن السعودى يشعر بالإحباط، إلا أن مافعله مع ابنه فجر الموقف، وأشعل شبكات التواصل الاجتماعي، التي طالبت بإعفائه. ووفقًا لنظام محاكمة الوزراء، وتحديداً المادة الخامسة منه، والتي ستطبّق على الوزير خالد العرج، تتراوح العقوبة في حال الإدانة من السجن 3 إلى 10 سنوات، أوكما ترى هيئة المحاكمة التى تتكون من ثلاثة وزراء يختارهم مجلس الوزراء بطريق القرعة، وعضوين شرعيين برتبة رئيس محكمة كبرى. إن تشكيل لجنة لمحاكمة خالد العرج، وإن كان يؤكد رفض القيادة للتمييز بين شباب الوطن الواحد، ولأي فساد إداري، وحرصها على مكافحته وملاحقة مرتكبيه، أينما كانوا، إلا أنه يعيد الذاكرة لنظام محالكمة الوزراء الذي صدر في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، ويحتاج الآن إلى تفعيله، لوقف حالات استغلال المنصب الوظيفي من قبل بعض الوزراء والمسئولين الكبار. ويبدو أن هذا التفعيل، أصبح الآن مطلبًا حيويًا وضرورة حتمية، في ظل ما أشارت إليه "نزاهة" من عدم التزام 10 وزارات في بعض حالات التعاقد بواحدٍ أو أكثر من الضوابط والشروط النظامية اللازمة للتعاقد وفقاً لبرنامج الاستقطاب، وهى وزارات الإسكان، الاقتصاد والتخطيط، الشؤون البلدية والقروية، الصحة، النقل، الثقافة والإعلام، التجارة والاستثمار، العدل، العمل والتنمية الاجتماعية، الاتصالات وتقنية المعلومات. إن كشف القيادة الرشيدة وإعلانها عبر وسائل الإعلام عن السبب الرئيسى لإعفاء وزير، استغل منصبه ونفوذه وأخل بالقانون، يحمل أكثر من رسالة، لكل مسئول، يحاول تكرار ما سقط فيه العرج، ويؤكد أنه لا تستر على أي فساد إداري ووظيفي، يرتكبه أي مسئول حتى ولو كان وزيرًا، وأن سلمان ملك العدل والإنسانية ينتصردائمًا لصاحب الحق، ويقف ويساند للفقراء والمحتاجين ولن يحيد عن تطبيق العدالة وأن جميع المواطنين سواسية، حتى في قوائم البطالة، لا فرق بين ابن وزير وآخر.