من المشكلة اليمنية إلى الأزمة السورية فالتحالف الإسلامي العسكري الذي تتبناه الرياض، تفرض المملكة العربية السعودية تواجدها الإقليمي والدولي، وتكشف عن دورها المحوري في صناعة القرار السياسي والعسكري على مستوى العالم. وبهذا التحالف الموجه ضد المنظمات الإرهابية جميعها وليس "داعش" فقط، كما أكد الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع والطيران، تثبت السعودية أن القرار العالمي لم يعد بيد أمريكا أو روسيا أو أي دولة أخرى أجنبية، وإنما هناك دول عربية وإسلامية دخلت على خط التحكم في البوصلة السياسية والعسكرية الدولية، ومن بين تلك الدول السعودية التي باتت تتبنى الآن مواقف حاسمة تجاه ما يمس الشعوب الإسلامية والعربية وتتخذ قرارات حازمة تجاه أهم قضايا منطقة الشرق الأوسط. ولا تقوم المملكة بهذا الدور من فراغ، فهي منبع الإسلام وقبلة المسلمين في كل أقطار المعمورة وأرض الحرمين الشريفين، ودولة بهذه المكانة الدينية العالمية هي الأجدر بالدفاع عن الإسلام، والوقوف في وجه أعدائه الذين يتخفون في منظمات إرهابية (متأسلمة) تدعي أنها تدافع عنه وترفع شعاراته، وهي في الحقيقة والواقع تسيء إلى هذا الدين وعقيدته السمحة. وعندما ينضم مع المملكة 33 دولة بالإضافة إلى دول أخرى أبدت رغبتها في المشاركة بالتحالف الذي يجري حالياً إعداد خطط تمويله وآليات تفعيله، فإن ذلك يجسد ثقة العالمين الإسلامي والعربي في القيادة السعودية، كما يترجم مدى توافق الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا مع الرؤية السعودية لمكافحة الإرهاب الدولي. ورغم موجة التشكيك الصادرة من بعض الدول والوسائل الإعلامية في قدرات التحالف واستمراريته ونجاحه، إلا أن هناك فريقاً آخر يؤيد الخطوة ويباركها ويتفاءل كثيراً بهذا الدور الذي تضطلع به الرياض دفاعاً عن العقيدة والأرض معاً. وسيكتب التاريخ في صفحاته هذا القرار الجريء الذي تستهدف السعودية من ورائه توحيد صفوف الدول الإسلامية والعربية، والاستفادة من قواعد بياناتها ومعلوماتها الاستخبارية والأمنية واللوجستية في مكافحة أخطر آفة تهدد العالم كله بإرهاب منظم مدعوم من دول تريد للأمة الاسلامية التمزق والتشتت والانهيار، باشغالها في حروب طائفية تنهكها وتجعلها فريسة سهلة تخشى لحظة الإنقضاض. فالتحالف العسكري الإسلامي يحمل معاني كثيرة، ويوجه رسالة قوية للعالم فحواها أن ليس كل المسلمين إرهابيين، وإن دولاً عربية وإسلامية جادة بالفعل في محاربة الإرهاب، لأنها من أول الدول التي اكتوت بناره ومازالت تدفع ثمن مواجهته مزيداً من الشهداء والأموال والعتاد. وبهذا التحالف أيضاً تثبت السعودية أن المسلمين أولى من غيرهم بمكافحة الإرهاب، وأنهم أبرياء من ناره التي حرقت بيوتهم ومساجدهم ورملت نساءهم ويتمت أطفالهم قبل أن تحرق الآخرين في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول التي كانت حتى وقت قريب تدعم هولاء الإرهابيين وتحتضنهم وترعاهم قبل أن يتحولوا ليكونوا شوكة في ظهورها أو أداة ضغط لإقامة ما يسمونه حديثاً دولة الإسلام. ولا ندري على أي أساس اتهم البعض القرار بالفجائية، والسعودية منذ سنوات وهي تعاني من سموم تلك الآفة وكانت الدولة الأولى والسباقة لعقد مؤتمر دولي للإرهاب وتأسيس مركز عالمي بالرياض لمكافحته، وكان لنجاحها الأمني والاستباقي في دحر فلول "تنظيم القاعدة" أقوى الأثر في تدعيم مكانتها الأمنية ودورها الكبير في تحقيق السلام العالمي. لقد أعلنت السعودية للعالم نيتها الصادقة في محاربة الإسلام وأثبتت ذلك ميدانياً على أرض الواقع، وما زالت تثبت بهذا التحالف الجديد أنها تغسل يد المسلمين من عار كل تهمة توجه إليها عمداً بأنها كانت سبباً في وجود هذه الآفة. وعندما أسقطت بعض الدول من هذا التحالف كانت على حق لاستمرار السياسات الخاطئة لأنظمة تلك الدول، وإصرارها على دعم وتمويل الميلشيات الإرهابية وزرع الطائفية الدينية الموقدة للفكر الضال والمفجرة لكل موجات التعصب والتكفيروالتشدد والتطرف. إن العالم مطالب الآن أن يستفيق من غفوته، ويمد يده لهذا التحالف الذى تريد به المملكة إعلاء شأن العرب ومحو تهمة الإرهاب عن المسلمين، وحماية الآجيال القادمة من هؤلاء المجرمين.